إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 فبراير 2011

السلطة الآن بين الجيش والإخوان


في مساء يوم الثامن والعشرين من يناير لعام 2011م، نزلت آليات الجيش المصري إلى الشارع كإجراء أخير بعدما دارت معارك شديدة بين المتظاهرين والشرطة، عجزت خلالها الأخيرة عن صد المتظاهرين ومنعهم من تحقيق أول أهدافهم وهو الالتقاء في ميدان التحرير، ونتج عن تلك المعارك ضحايا وإصابات عديدة نتيجة استخدام العنف من الشرطة ضد هؤلاء العزل، وبعد انقشاع غبار المعركة واندحار قوات الشرطة وحرق العديد من آلياتها التي دهست الكثير من المحتجين، وخنق دخان قنابلها المسيلة للدموع لهم، واختراق رصاصها المطاطي لأجسادهم، نزلت قوات الجيش لحماية المباني الحساسة والمصالح العامة في القاهرة الكبرى وبعض المحافظات الأخرى، نزول ما رأيناه منذ ثورة 23 يوليو 1952م عندما نزلت قوات الجيش وطوقت القصر الرئاسي في عابدين، إلا عام 1986م في أحداث الأمن المركزي.
القوات المسلحة نزلت في هذا اليوم ليس لمحاصرة الفاسدين أو لإنهاء حكم ملك كما حدث عام 52، بل نزلت لحماية منشآت الدولة والحفاظ على الأمن العام في ظل حكم قائد مجلسها الأعلى الذي حدث في أواخر عهده تجاوزات تعدت كثيرا فساد الملك ونظامه من قبل، والذي اعترفت به المؤسسة العسكرية بل وقائدها الأعلى قبل تخليه عن السلطة بأنها أخطاء سياسية، وان مطالب المحتجين الشرفاء مشروعة، وهذا اعتراف ضمني بالفساد في عصر النظام السابق.
ثمانية وخمسون عاماً ونصف هي مدة حكم المؤسسة العسكرية منذ تولي اللواء محمد نجيب الحكم كأول رئيس جمهورية عام 52 مرورا بالصاغ جمال عبد الناصر الذي رفض استمرار الأحزاب السياسية وعودة الحياة الحزبية ونقل السلطة من قادة الثورة (الضباط الأحرار) إلى المدنيين، ثم جاء نائبه الرئيس السادات الذي ورث تركه ثقيلة من الأعباء نفضها كلها عن كاهله ثم هيئ الحياة السياسية المصرية للتنوع والتعدد الذي أصبح للأسف شكلي عندما سمح بعودة الأحزاب السياسية عام 1976م ورأس بنفسه الحزب الوطني، الحزب الذي أصبح فيما بعد الواجهة المدنية التي تقود الحياة السياسية المصرية وتوارت عن الأنظار القوات المسلحة إلا أنها بالطبع هي الحاكم الفعلي للبلاد بوجود قائدها الأعلى على رأس النظام في مصر.
النموذج التركي للحكم كان صارخاً عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك الدولة العلمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وانهيار الدولة العثمانية، فورث الجيش حكم البلاد إلى أن جاء قادة حزب العدالة والتنمية (إخوان تركيا المسلمون) للحكم عام 2000م، وبدءوا بعمل إصلاحات داخلية وخارجية للدولة، الإصلاحات التي لاقت استحسان الداخل واحترام الخارج، فزاد الدخل القومي التركي بل تضاعف عدة مرات، وارتفع الدخل وتحسنت الأحوال المعيشية للمواطن، وأثبت القادة الجدد جدارتهم الأمر الذي أدى إلى زيادة شعبيتهم وزيادة محاولات الانقلاب ضدهم من بعض قادة الجيش فهم الذين خطفوا الأضواء من هذه المؤسسة العسكرية الكبيرة، فيما قابلوا عملية الانقلاب بهدوء وذكاء شديدين، حتى انصاعت المؤسسة العسكرية لهم أمام شعبيتهم الجارفة، وقامت بإلقاء القبض على العديد من الضباط المشتبه بهم، وبهذا السيناريو انتهى حكم العسكر في تركيا وبدء عهد جديد قاده قادة حزب العدالة والتنمية التركي.
اليوم يتولى المجلس العسكري المصري إدارة شئون البلاد بعد أن أسند إليه الرئيس السابق أمور الحكم وإدارة شئون البلاد وذلك بعد الضغط الشعبي عليه والذي أدى إلى تخليه عن السلطة، ويأخذ على عاتقه تنظيم الداخل المصري المهلهل نتيجة غياب الشرطة وأزمة الثقة بينها وبين الشعب، كما يقوم أيضا بتنفيذ تعديلات دستورية ومحاكمة رموز فساد النظام السابق إلى جانب مهمته القومية في حماية البلاد خارجياً في ظل وضع حرج على الحدود الشرقية والغربية، ويقوم الآن بإجراء إصلاحات من شأنها التمهيد لحياة سياسية جديدة قد تأتي بحزب الإخوان المسلمين الجديد والآتي بقوة للحياة البرلمانية والتشريعية المستقبلية، فهل يسلم الجيش الحكم للإخوان على غرار النموذج التركي، ويخلي الساحة لمن يعتلي الحياة السياسة لحكم البلاد ويعود لثكناته العسكرية؟،وهو الذي اقر أنه لا يسعى للحكم وسيسلم الحكم للسلطة المدنية التي سيقوم الشعب باختيارها.