إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 24 فبراير 2011

أنا المجد

قالها مختالا فخورا رافعا أنفه إلى السماء كعادته، قالها بصوت مرتفع ضارباً بقبضته على المنصة التي يلقي خطابه عليها، وقد بدت عليه علامات التوتر والانفعال، وهذا ما كان يخفيه طيلة الخطاب، ولكنه مفضوح بأفعاله التي تظهر هذا الخوف والقلق من ظهور الحق وإزهاق الباطل.
 فقائد الثورة تأتيه الآن أمواج الثورة الحقيقية وتحاصره من كل مكان لتقضي على ثورته المزيفة، ثم استرسل في الحديث فعدد نسبه وقال أنا ابن فلان وفلان الذين استشهدوا من أجل هذه الأرض وتحريرها من الطليان، ولكنه نسي أن يقول: من أنا؟ وما تاريخي؟ وماذا فعلت؟ وماذا حققت؟ فليس الفتى من يقول قد كان أبي، وإنما الفتى من يقول ها أنا ذا، فمن أنت؟ وماذا فعلت أيها القائد الذي يحب أن يكنى بقائد الثورة، والتي تسلمت بعدها البلاد وهي واعدة بثروات طائلة ومستقبل زاهر، فلا أنت استثمرت هذه الثروات فيما ينفع البلاد والعباد ولا أنت ترك البلد بمستقبل واضح.
كذبت أيها العقيد فلقد خرجت علينا أعواما تلو أعوام وسنين تلو سنين، فألفت كتاباً سميته الكتاب الأخضر وجعلته دستور البلاد وفيه من الزيف ما فيه، صرفت أموال ليبيا في عمليات مخابرات تناطح بها الدول الكبرى، فضربوك في عقر دارك ووقعوا عليك عقوبات أهلكت الحرث والنسل على مدى سنوات، وفرضوا عليك تعويضات من دم الشعب بمليارات الدولارات، وسلمت معداتك النووية التي كنا نتمنى أن نرى إنتاجها، وأنفقت أموالا طائلة لعمل زعامة زائفة على ممالك بائدة في أفريقيا، وضيعت شعبك وبلدك ذات الإنتاج الوفير من النفط الجيد، ونهبت ثروتها وقسمتها على ثمانية من الأولاد يعيثون الآن في الأرض الفساد، يذبحون شعباً أراد اليوم أن يقول لا، بعد اثنين وأربعون عاماً من التخلف والتراجع والكساد.
أيها العقيد يا قائد الثورة، ارحل ولا تقف في وجه شعبك تريق الدماء وتأبى أن تتركها إلا خرابه مدمرة، ارحل وتنحى كي نرتاح من هذه الطلعة البهية التي تمثل فيها دور العبيط في ثوب الديكتاتور، ارحل كي لا نرى هذه الملابس التي تثير الغرابة والاشمئزاز وتعبر عن مكنونك الداخلي من البارانويا والفصام والشيزوفرينا، ارحل بكل أمراضك النفسية واترك ليبيا لليبيين كي يعيدوا بناءها ويرسموا مستقبلها، ارحل أنت وأولادك فإننا رأينا حالة من توريث التكية ليس لها مثيل، وكنا في مصر يحترق كبدنا عندما نرى وريثا واحدا، فكان الله في عون الإخوة الليبيين الذي يرون ثمانية ورثة لثروتهم وبلدهم.
ارحل أيها الديكتاتور الدموي فعدو عاقل خير من صاحب مجنون. 

الاثنين، 21 فبراير 2011

الراكضون خلف ركب الثورة

اليأس وفقدان الأمل في الإصلاح كان الشعور الأخير الذي سيطر على معظم المصريين في بداية العام الجديد، فلقد استقبلوا هذا العام الذي أحدث تغييرا جذريا في الدولة المصرية والذي سيكون من الأعوام التي لن تنسى على مر التاريخ حيث أنه أصبح عام التغيير بامتياز، أقول استقبل المصريون هذا العام على وقع تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، فصدم المجتمع بهذا العمل الغريب على مصر وعلى أهلها، وكان التشاؤم هو المسيطر على الكثير من فئات المجتمع، فالانتخابات البرلمانية الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى كانت فجة في التزوير والبلطجة وقسوة معاملة مؤسسة الشرطة مع المواطنين الذي أرادوا الإدلاء بأصواتهم، فخرجت بصورة سيئة جدا زادت من انطباع اليائس والتسليم بأن الحزب الوطني المسيطر على مقاليد الأمور في البلد هو الذي سيدير ويرشح وينجح مرشحه في انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة في نهاية هذا العام، لذلك فالهول والذهول من قتامة المشهد ووقوع أحداث جسام زاد من إحباط المصريين للوضع السياسي لدولتهم، كان هذا هو عنوان العام الجديد إلى أن بدأت أحداث تونس بعد إضرام البوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على المعاملة السيئة التي تلقاها من إحدى الشرطيات.
ولأن النظام المصري كان في أوج قوته وسطوته، ولأن المجتمع المصري كان في أشد حالات خوفه من المواجهة، وفي أشد حالات الإحباط واليأس والتشاؤم من القادم وإدراكه صعوبة القيام بعمل جماعي اعتراضا على سياسة النظام وذلك لفشل المحاولات السابقة وإجهاض النظام لها، فقد كانت المحاولات الفردية للاحتجاج بإشعال الناس بإحراق بعض الأٍفراد لأنفسهم أمام مجلس الشعب وفي شارع القصر العيني هي الطريقة الجديدة التي يعبر بها وذلك تقليدا للمشهد التونسي، إلى أن اتفق آلاف الشباب على الاحتجاج الجماعي على سوء الأحوال السياسية والاجتماعية في مصر وكان ذلك تزامنا مع عيد الشرطة، وهي المؤسسة التي أرادوا أن يوصلوا لها رسالة مفادها أن يوم عيدكم وفرحتكم بقوة سطوتكم على الشعب هو بمثابة يوم امتعاض وحزن واحتجاج لنا، لأنكم أهدرتم كرامة الشعب وناصرتم النظام وحزبه على جموع الشعب ومن هنا بدأت شرارة الثورة.
لا شك أن الخوف هو صفة من صفات الإنسان الفطرية، تسيطر عليه هذه الصفة عندما يواجه خطرا ما، لذلك فمن الطبيعي أن يكون وضع الاحتجاجات في بدايتها متسم بقلة المشاركة ومشاهدة الموقف من بعيد بفعل هذا الخوف، كما أن حالة الخوف ليست وحدها من يمنع الناس من المشاركة، فهناك أيضا حالة اليأس من التغيير والتشاؤم من الفشل الذي أصاب عدة احتجاجات سابقة لم تغير الوضع بل ربما زادته سوءاً، ولا شك أن من بادر ونزل منذ بداية الأحداث هو من حرك تلك الجموع التي انضمت لاحقا، وأن من استشهد أو أصيب في سبيل كلمة الحق فهو شجاع ومبادر ويستحق الثناء والتقدير من جميع الناس، ولذلك كان ركب الثورة في بدايته قليل وقافلته تُرى بدايتها ونهايتها وأولها من آخرها، ولابد هنا من إحقاق الحق ورد الجميل للذين بدأوا هذا الحراك وهم من أشعلوا النار في أنفسهم، ومن بادر ونزل متوجها إلى ميدان التحرير بدءاً من يوم الثلاثاء 25 يناير وحتى يوم الجمعة 28 يناير فهذه أصعب مراحل التحرك، والذين نزلوا في هذه الفترة والذين قاموا بمبادرات فردية قبلهم هؤلاء جميعا هم "وقود الثورة ومحركها" ولهم الفضل بعد الله في التغيير فهم صفوة ونخبة التغيير وهم محرك الثورة الذي أخذ على عاتقة حلحلة وخلخلة الحمل الثقيل الجاثم على صدر الشعب.
ودائما ما يكون للثورات عمليات حسابية يتوقعها المحللون، فكلما زاد عدد المصابين والشهداء كلما ارتفعت أعداد المنضمين، وتجد هذه الانضمامات تحدث بأسلوب المتوالية الهندسية، فكلما زاد عدد الشهداء والمصابين  وزادت أيام المقاومة والاحتجاج كلما ارتفع سقف المطالب والقصاص العادل من الذين آذوا الجموع وصدوهم وارتكبوا بحقهم الجرائم، وأيضاً كلما طال وقت الاحتجاج وصمد المحتجين كلما انضم إلي ركبهم المزيد من الشعب، وقلت حالة الخوف العام وزادت حالة الصمود والقوة والشجاعة أمام قوة البطش والتحدي.
إن من الطبيعي أن تجد دائرة الاحتجاج تتسع شيئا فشيئا، وأن تضم القافلة مزيدا من الناس طبقا لظروف وحالة كل منهم الاجتماعية والمهنية ودرجة وقع الظلم عليه، وكذلك بدرجة التأثر المباشر من النظام الحاكم من أهالي المعتقلين والمصابين والشهداء،وليس عيبا أن ينضم معظم الناس بعد تلاشي حالة الخوف من النظام وآلته وازدياد انطباع "الكثرة تغلب الشجاعة" وازدياد الأمل في التغيير والشعور بأن الضغط على الظلم والطغيان بدأ يؤتي أكله، وهذا هو حال معظم الشعب وأنا واحد منهم، وهنا يكون عامل الوقت مهم جدا في عملية اللحاق بالركب وكل دقيقة تردد أو تأخر تحسب ضد من يأتي متأخرا، لذلك يجب تصنيف المنضمين إلى ركب الثورة إلى ثلاثة أصناف من البشر.
النوع الأول ممن لحق بالركب هم عامة الشعب من الذين طحنهم كمد العيش وألهب جيوبهم غلاء أسعار النظام، وهم من الذين تاهوا في دروب البحث عما يسد رمقهم وغصت حلوقهم لهثا خلف سراب الحد الأدنى من الكفاف دون جدوى، وهم الذين أرهقهم النظام السابق وضيق عليهم، وهؤلاء هم السواد الأعظم من الناس وقد كان عامل الوقت في صالحهم بل هم من ساعد في استمرار إيقاد شعلة الثورة بل هم من أفسد مخططات إجهاض حركة الشباب بمعارك الجمال والبغال والحمير والمولوتوف وعمليات القنص التي حركت الغضب وأدت إلى ازدياد الانضمام للثورة، وهؤلاء المنضمون عفويون وليست لديهم أجندات سياسية بل لديهم مطالب اجتماعية برفع الظلم وتحسين الأحوال المعيشية.
النوع الثاني  ممن انضموا إلى الركب لديهم خصومات سياسية وقضايا شخصية واحتكاك سلبي بالنظام على مدى السنوات العشر الأخيرة، وهم الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين والحركات الأخرى، وقد جاءوا في الصف الثاني لتأخرهم في المشاركة بسبب فشل تجاربهم السابقة في عمليات التظاهر والتحرك السلمي، وانضمامهم هو حق مشروع لهم للمطالبة بالمشاركة في الحياة السياسية للدولة، ورغم تأخر انضمام البعض منهم إلا أن عامل الوقت كان مهما جدا بالنسبة لهم ولقد لحقوا بالعربة الأخيرة من الركب وبذلك فهم غير ملومين.
النوع الثالث من المنضمين إلى ركب الثورة هم من يلهث الآن ويركض للحاق بركب الثورة من الذين كانت لهم مواقف مضادة من الثورة ومن القائمين عليها، وهنا يجب التفريق بين نوعين من هذه الفئة، النوع الأول هو المؤمن بمطالب الناس المشروعة ويخشى الفوضى والخراب، وهؤلاء موقفهم محمود وهم لم يقوموا بأعمال سابقة ضد الشعب استغلالا للسلطة، ولم تلوث أيديهم في قضايا سلب ونهب، وهم يمثلون بعض رموز المجتمع من الفنانين والمثقفين وأصحاب الشهرة في الحقل الرياضي وغيرهم، وهؤلاء يجب ضمهم إلى الركب وعدم نبذهم طالما أنهم لم يقوما بأعمال سابقة مناوئة لعملية الإصلاح، أما النوع الثاني هم حديث هذا المقال، وهم من نسلط عليهم الضوء الآن، هم الذين كانوا يعولون على قوة النظام في صد الاحتجاجات كعادته وعادتهم به، هم من كانوا ضد الثورة وضد مطالب الناس على طول الخط ومعظمهم من منسوبي الحزب الوطني، ورؤساء الصحف القومية ومعظم رؤساء الأقسام في اتحاد الإذاعة والتليفزيون وكذلك بعض المسئولين الذين كان يغدق عليهم النظام من قوت الشعب ليشتري ولاءهم، هم من أصحاب المكاتب المكيفة والرواتب التي تتعدى الستة أرقام، هم من رجال الأعمال وبعض الوزراء السابقين وبعض المسئولين الذين تورطوا في أعمال فساد، كل هؤلاء ممن بدلوا مواقفهم وغيروا انتماءهم وولاءهم من يركضون الآن وتخرج ألسنتهم لهثا خلف رضا الشعب، هؤلاء الذين لم يدركهم عامل الوقت وسقطوا في فخ قوة النظام الكرتونية، وعولوا على ضعف الشعب المستكين السلبي، هؤلاء هم الراكضون خلف ركب الثورة الذين لابد أمامهم إلا الاعتذار للشعب و الخضوع للمحاسبة لمن أخطأ منهم، ولابد من دحرهم عن مناصبهم لكشف المزيد من الثغرات والأخطاء المساعدة في محاسبتهم، فبقاءهم في أماكنهم ومحاولات الانضمام إلى صفوف الركب للذوبان في الشعب ونسيان الماضي وإخفاء مستندات إدانتهم هي شغلهم الشاغل الآن، ونحن هنا لا ندعو لنصب محاكم تفتيش بقدر ما ندعو إلى تطهير المجتمع من بعض المنافقين والدجالين السياسيين الذين يريدون اللحاق بركب الثورة والانضمام للصفوف لإخفاء ما اقترفت أيديهم وما امتلأت به خزائنهم على أيدي النظام السابق.