إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 8 مايو 2012

ما أشبه اليوم بالبارحه


ما أشبه اليوم بالبارحه!!
دخل مدرس التاريخ الفصل ليراجع المنهج الدراسي للطلبه في آخر حصة في العام الدراسي والذي كان ملتهبا ومليئا بالأحداث المتواترة والمتراكبة والتي كانت متداركة ومستوعبه أحيانا، ومبهمة وغامضة في أحايين كثيرة.
انتبه الطلاب جيدا لعلهم يقتنصوا بعض أسئلة الامتحان التي تستوحى من أفكار الأستاذ، أو استنباطها فيما يركز عليه من المنهج، وبينما هم كذلك، اختلى الطالب ذو العقل الرشيد الذي يستنبط العبر من التاريخ ويرى فيه خير شاهد واصدق دليل، فأوى إلى ركن بعيد ليستمع جيدا لشرح الأستاذ الذي بدأ مستدركا تاريخ أكاسرة الفرس وقياصرة الروم، وكيف بنوا امبراطورياتهم على كواهل الشعوب المستضعفة، وسرد تاريخ احتلالاتهم وحملاتهم ضد هذه الشعوب، وكيف سمموا أفكارهم وقلبوا لهم الأمور، وكيف استعبدوهم حتى استيقنوا جميعا أن هذا الوضع هو أمر طبيعي جبل عليه الناس فالأسياد هم الأسياد والعبيد هم العبيد.
استطرق الأستاذ المحب لمادته والعاكف على البحث فيها كثيرا في ربط الأحداث ببعضها وعقد المقارنات وأوجه الشبه بين العصور فدعم الشرح ببعض القصص القرآني فأورد قصص موسى عليه السلام مع فرعون مصر وعيسى عليه السلام مع بني اسرائيل ومحمد عليه الصلاة والسلام مع قريش ومع الأحزاب وملوك الفرس والروم وكيف كان شعاع النور وبذرة الاستنهاض تستعدى تلك الكيانات الكبرى لأنها تتقاطع مع مصالحها، وكيف أخرج هؤلاء الأنبياء أقوامهم من ذل الاستعباد إلى عز قيادة الناس بالعدل والإحسان وتوجيههم إلى طريق الحق والخير وعبادة رب العباد لا عبادة العباد.
استدل أيضا الرجل العلامة في مجاله ببعض النظريات التي تؤكد أن الكون لا يقبل الفراغ وأن الامبراطوريات القوية والحديثة لا تعترف بالشعوب المستكينة ولا تحسب لها حساب وكيف لا تصنفها ضمن التصنيفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحديثة للمجتمعات والشعوب الراقية المتقدمة، وبينما هو منهمك في عزف سيمفونية يطرب لها عشاق ومحبي التاريخ الذي هو أبو العلوم، غرق الطلاب وتاهوا في دهاليز العصور وثنايا التاريخ.
وبينما هم كذلك شرد ذهن صاحبنا ذو العقل الرشيد، الذي آوى إلى الركن البعيد في الأحداث الراهنة، وفكر في أحوال الشعوب المستضعفة وموقف الامبراطوريات منها، فجال في خاطره كيف احتلت إيران (ممثلة امبراطوية الفرس القديمة) جزر الخليج العربي، وكيف تعمدت تغيير اسم الخليج، وتهديداتها لدوله، وتلميحها لضم بعض دوله لها، وتشكيل كيانات لها في سوريا ولبنان والعراق ومعظم دول الخليج، وعلى الجانب الآخر ينظر إلى أمريكا (ممثلة امبراطورية الروم القديمة)، واحتلالها للعراق وأفغانستان، والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وسوريا، كما دار في ذهنه كيف تحارب هذه الكيانات وأذنابها في المنطقة كل حركات النهوض من أحرار شعوبها، وكيف توئد رسالات التحرر من عبودية تلك الكيانات في مهدها، وكيف تبذر بذور الفتنة وتتبع سياسات الفرقة داخل الشعوب المستضعفة، وبينما هو كذلك أفاق على سؤال مدرسه له وهو يصرخ فيه قائلا: ماذا كنت اقول؟ رد عليه الطالب النجيب قائلا: كنت تقول سيدي "ما أشبه اليوم بالبارحه"، قال له الأستاذ: صدقت يا بني: الآن استوعبت الدرس، بينما سيظل يا بني من خاض طريق الدروس الخصوصية، وتهافت على معرفة أسئلة الامتحان ضمن فئات الشعوب المستضعفة.