إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

الثورات... يدبرها الدهاة، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء

قول مأثور ونظرية أدبية من بنات أفكار الأديب الراحل/ نجيب محفوظ، قرأتها في أحد أقواله المأثورة فقال: الثورات... يخططها الدهاة، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء، ومع احترامي وتقديري للكاتب والمفكر الكبير (يرحمه الله) فإنني في مطلع أحداث الثورة المصرية في أوائل عام 2011م، لم أكن أطبق هذا القول على أحداث الثورة، ولم تكن الأمور الظاهرة تحتمل هذا التأويل، وكنت أعتقد أن هذا القول مجاف للحقائق ومتحامل على الثورات عموما وعلى الثورة المصرية خصوصا، فالكل قد رأى ثورة شباب طاهر ونقي لا يحمل أجندات ولا ينضم لتيارات، وكل ما جمعه على خوض تلك الأحداث هي تكنولوجيا الاتصال والشعور الموحد بالظلم والضياع.
إن تلقائية الأحداث في بداية الثورة أبعدتنا تماما عن مخططات مستشار الرئيس الأمريكي السابق "برنارد لويس" والذي رسم خرائط الفوضى بالمنطقة العربية منذ مطلع القرن الحالي والتي بدأها بانقلاب موريتانيا عام 2006م، كما أبعدتنا عفوية الهبة الشعبية وعدم وجود قيادة أو تيار معين وراء انطلاق شرارتها الأولى عن قول الأديب الراحل، وكنت أظنه يتحدث عن ثورات وقعت من قبل في أماكن أخرى، وبطرق أخرى غير التي جرت في مصر في عام 2011م وبعد وفاته ببضع سنين، إلا أن ما وراء الأحداث وما أظهرته التفاصيل أثبت في النهاية صحة المقولة فبعد أن سلمنا بأن الشباب الذين لا يعرفون بعضهم البعض إلا من خلال شاشات الكمبيوتر الذين بدأوا شرارة التغيير تكشفت لنا تدريبات لبعضهم على نموذج الثورة في صربيا وبتمويل خارجي وذلك لإحداث نوع من الفوضى والضغط على النظام ليس إلا، وهذه أول جملة تتحقق في المقولة "يخططها الدهاة" وهنا أيضا إثبات لنظرية المؤامرة وأنه ليس كل ما حدث كان عفويا صرفا فالمخططات الخارجية لا تنتهي وهي قائمة ما دامت السموات والأرض، وما دام فينا قلب ينبض.
أما الجزء الآخر من المقولة فقد تحقق في إشعال البوعزيزي النار في نفسه، وتحقق في الذين كانوا دروعا لغيرهم أثناء عمليات القنص، وفي الذين تصدوا لسيارات الدهس الشرطي، والذين تصدوا بأجسادهم المنطلقة لرصاص الداخلية، وبذلك فقد نفذها الشجعان بالفعل وقاموا بها دون حسابات سياسية أو تربيطات حزبية وبهذا فإن هذه الثورات "ينفذها الشجعان" الذين ملوا من التسلط والطغيان وضحوا بأنفسهم من أجل التغيير وكسر الأوضاع القائمة.
أما الجزء الأخير من المقولة وهو محور حديثنا وأهم ما فيه وهو ما يحدث ويتشكل الآن في نهاية المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات البرلمانية التي ستحدد شكل النظام الجديد، فإن كثيرا من الجبناء قد لبسوا أقنعة الشجاعة، وتظاهروا بها لفترة معينة حتى تمكنوا من حصد العديد من المكاسب التي تؤهلهم لتبوء مراكز متقدمة في الدولة الجديدة، فمن الذين شاركوا النظام البائد في عمليات غير شرعية ضد الشعب سواء انضموا تحت لواء حزبه المنحل أو لم ينضموا، إلى الذين ركبوا الموجة بعد أن قضى الشجعان ورأوا أن لا ملجأ إلى الشعب إلا بالحديث عن الثورة حتى وإن لم يشاركوا فيها، إلى الذين بدلوا مواقفهم بل وجلودهم بعدما علموا وأيقنوا أن أمر الثورة بعد إبادة النظام هو الراجح، كل هؤلاء هم الجبناء الذين يحصدون مكاسب الثورة المصرية الآن وذلك يحقق الجزء الأخير من المقولة "ثم يحصدها الجبناء" وتبقى بذلك المخططات والمؤامرات حاضرة في كل حدث، وتبقى المقولة الشهيرة وكأن صاحبها كان حاضرا معنا أحداث الثورة.
وبذلك تحققت مقولة الرجل وأقنعتني الأحداث. 
رحم الله الأديب الكبير/ نجيب محفوظ وحفظ لنا مصر من كل مكروه وسوء         
   

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

لمحات ومشاهد من عصر مبارك


مرت سبعة أشهر ونيف على ثورة 25 يناير، واليوم 11 سبتمبر هو المتمم للسبعة أشهر على تنحي الرئيس المخلوع عن الحكم في 11 فبراير الماضي، إلا أنه لا زالت هناك كثير من المشاهد السياسية والاقتصادية التي لم تتغير رغم قيام الثورة من أجلها.
ورغم أن الحكومات المتتابعة بعد الثورة هي حكومات من المفترض أنها منبثقة من الأحداث الثورية التي شكلت تلك الحكومات وآتية بإرادة الشعب ورضاه، إلا أنها لم تغير كثيرا في بعض المشاهد السياسية والاقتصادية التي كان يمارسها النظام السابق.
أولى تلك المشاهد هو قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، والذي فجر أنبوبه بعد الثورة عدة مرات، ورغم ذلك كان يتم الضخ بعد الإصلاح في كل مرة ولم تسطع حكومات ما بعد الثورة فعل شيء في هذا الموضوع إلا التفاوض على أسعار الغاز المصدر لتتوافق مع الأسعار العالمية فقط دون النظر في إلغاء تلك الصفقة المشبوهة.
ثاني المشاهد هو رد الفعل تجاه إسرائيل في قضية قتل الجنود المصريين على الحدود، ففي عهد النظام السابق كنا لا نسمع إلا همسا والصمت كان هو سمة مميزة لتلك النظام بشأن هذه القضية، ووقعت العديد من حوادث الحدود وكل مرة لم يكن هناك رد فعل رادع، أما اليوم فرد الفعل كله آت من الشارع ضد السفارة الإسرائيلية، والحكومة الجديدة قامت ببناء جدار عازل لحماية السفارة دون أن تقوم بخطوات سياسية أكثر جرأة لعزل سياسة القتل الإسرائيلية على الحدود.
المشهد الثالث: هو مشهد اقتصادي، حيث أعلن أكثر من مرة بأنه سيتم زيادة رواتب الموظفين بالدولة بحد أدنى سبعمائة جنيه، وهناك حكم صادر من المحكمة الإدارية بحد أدنى ألف ومائتين جنيه، وكانت هناك مباحثات للنظام السابق بخصوص هذا الموضوع لكن دون انتهت دون نتائج قبل الثورة، أما اليوم فقد تبين أن الكلام الكثير الذي قيل في هذه القضية لم يتحقق على أرض الواقع، وهناك تخبط واضح منذ إعلان الدكتور/ سمير رضوان وزير المالية السابق عن زيادة الحد الأدنى للمرتبات إلى سبعمائة جنيه من أول السنة المالية الحالية التي بدأت منذ شهرين ويزيد، لكن كل هذه التصريحات كانت للاستهلاك المحلي فقط وبقي الحال كما هو عليه.
المشهد الرابع: هو العودة للعمل بقانون الطوارئ وكذلك المحاكمات العسكرية للمدنيين، فهل هناك من الخطر ما يحتم ذلك وإن كان هناك وضع خطير بالفعل هل سيطبق قانون الطوارئ بموضعه الصحيح في السيطرة على الخارجين على القانون والبلطجية أم سيتم استخدامه بطريقه خاطئة كما كان يستخدم سابقاً.
هناك الكثير من المشاهد السياسية التي لم تتغير في فترة ما بعد الثورة عنها في عهد النظام السابق قبل الثورة فهل هناك من العقبات والعوائق الدولية والداخلية ما يحول بين هذا التغيير أم أننا أمام نظام يسلك مسلك النظام القديم ويقتفي أثره، وأنه ليس هناك فروق جوهرية بفعل الثورة بين هذا النظام وتلك وما هي إلا تغييرات في الوجوه دون تغيير في السياسات.