إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 19 يناير 2011

سيد بلال

لم نعدك من البشر إنسان ... تحول الانتباه وأهملك البال
فصرت رسالة بلا عنوان... باتت القلوب عليها الأقفال
شغلتنا شقوتنا بعمل جبان... فبكينا على ركام الأطلال
مضيت في غمرة الأحزان... دفعت ثمن التسرع والانفعال
في كل زمان وفي كل مكان... أقباط المهجر فئة الضلال
يضغطون من أجل احتقان... وظفوا كل الأقوال والأفعال
بهذا شهيد الظلم والطغيان ... لا يلتقي الصليب مع الهلال
قل للمغتربين من العميان ... الحق حق والباطل اضمحلال
من ينكر السلام والعرفان... من يرهب الكثرة باستغلال
لن يأتي إلا بافتراء البهتان ... لن يحجب الشمس بالغربال
صار النظام على المسلمين عزيز... وبات على النصارى ذليل
لم يكن يخشى أمريكان أو إنجليز... لكنه اليوم منوط بالدليل
قلة منا جعلوا الوطن حنيذ ... وقدموه على مائدة رتبها العميل
قاموا برص المقبلات والنبيذ... ففتحوا شهية العميل والدخيل
لم نكن يوماً دعاة فتن ولن ... لكن الأمر تعدى حدود الوطن
أظهرت الآن شرور المحن ... وشوك الغرق في أوحال الوهن
وإن لم نطوي ماضي الزمن ... فلا مناص إلا لف وطن بالكفن
قل لي ماذا اقترفت بلحيةٍ ... نراها لقسيس ولا نرميه بتهمةٍ
نم أيها البطل هانئاً سعيد ... فلن يؤثر فينا منا الرعديد
وقل لمن يطالب بباطل عنيد... لن نكون لسوى الله عبيد
ومن يحلم بشكل وطن جديد... سيجد أمامه صدود قديد
وصبر على ما آذيتمونا مديد ... لكن أبصارنا اليوم حديد
سنصمد بكل مسيحي يريد... العيش في وطن مرتاح البال
لا يجلب لنا الفتن والمزيد... من العبث والمشاكل والأهوال
لا يلقي بنا في واد سحيق... لا يلقينا في بحر موجه كالجبال
نعيش كما في الماضي البعيد... أبناءاً أوفياء وللوطن رجال
سيد بلال يا سيد بلال... الوضع أصبح السكوت عنه محال
(نشأت النادي 19/1/2011م)

الثلاثاء، 18 يناير 2011

حوار الطرشان

أنت بتتكلم ليه عن الوزارة
طب لما تتقفش وريني الشطارة

وابقى سد مع مخبر الإمارة
واصرخ جامد لما تدخل المغارة
عشان محدش هيهمس ولو بإشارة
عاملي فيها بطل وهتغير الوزارة
لا إنسى داحنا هنرفعك وهنسيبلك أمارة
ونوريك اللي عمرك ما شفته في روتانة
اشرب صعق وذل وضرب ومهانة
ياه عاملي فيها بطل وبتحب الأمانة
وتهيج وتجمهر علينا الناس الغلبانة
كان غيرك أشطر يا بن الشيطانه
بتصحي نفوس الناس الخربانة
وتصلح اللي اتكسر وترفع عنا الحصانه
وترجع وتزود لكل مؤمن إيمانه
وتكدر الأمن وتعرف الناس طريقة آذانا
يا بني اسكت هنخترعلك طريقة إدانة
ونعمل قانون ونفصله بسرعة كدا من حدانا
ونقفل قناة تعرف الناس فساد البطانة
ونجري ما نلحق نسد كل ثغرة بمتانة
والهتيفة تصقف وتهتف وترفع من شنانا
تمدح وتعدد على الناس كتير من شيمانا
يقع ضعاف النفوس ويدوبوا في هوانا
ونصدق نفسنا ونعيش حياتنا انفصاما
ونقول دول حاقدين ومش عارفين عدانا
ونقول عاشت اللي من خيرها بسطانا
وأدينا ماشيين ومش عارفين فين هترسي خطانا
والدنيا كل يوم بحال والكل حولينا هجانا
أهم شيء احنا قاعدين ومتمسكين بالحصانة
وابقى قابلني لو عرفت تبمبك معانا
في النهاية بالحوار أو بغيره هيفضل هنانا
أحسنلك سلم وعيش وكل عيش والنصيحة منا أمانة

الاثنين، 17 يناير 2011

الطاغية هرب

هرب الطاغية من البلد
خرج متخفيا ولم يعد
حزم شنطه بلا صخب
بعدما أيقن أن الأمر جد
نعم قامت قيامة الشعب
أراد أن يضع للظلم حد
حار الطاغية من التعب
في الجو ليس له مهرب
تخلى عنه أهل الغرب
تركوه وحده في الكرب
خرج الطاغية وإن ذهب
سيظل التاريخ له نكد
فالشعب من ظلمه نصب
طفح الكيل من العنت
والزبانية لأمر الجور ند
وبطانة السوء له عقب
استباحوا واستحلوا دم الشعب 
فكان ليس من الخروج بد
وأن يكون لنار الثورة حطب
هرب الطاغية وبالعزم عقد
أن يجمع من الكنوز والعقد
أخرج جواريه محملات بالذهب
قبل أن تزيد نار الصخب
وعندما اشتدت نار الغضب
فر وعقد العزم على الهرب
يا لهذا الأمر من العجب
أبطال صنعناهم من الورق
بأيدينا نحن شعوب العرب
(نشأت النادي 17/1/2011م)  



الأحد، 16 يناير 2011

غواص بحر الرمال

نقطة التحول
رن جرس الهاتف: ألو مين ... منزل الأستاذ شوكت عبد الحليم الهادي... مين عاوزه يابني... حنا مكتب التوظيف السعودي وهو عنده مقابلة معنا باكر، بلغيه بالحضور... طيب يا بني .. مع السلامة. يا واد يا أحمد روح لشوكت بن خالتك وقوله المكتب بتاع السعودية اللي أنت مقدم فيه عاوزينك بكره اجري يا وله بسرعة.
استقبل شوكت الخبر بشيء من الذهول فلم يكن يتوقع أن يأتي رد من هذه الجهة أبداً وأطلق لخياله العنان لثوان وهو جالس في المقابلة التي ستحدد مصيره القادم وهو يشعر بإحساس داخلي بأن الأمور تحركها محركات القدر الخفية التي لا تخضع لمقاييس البشر وأن هذه المرة تخالف توقعاته وحدسه الذين لا ينزلان الأرض أبدا، فقال في نفسه لعله خير، أفاق شوكت على صوت أخته التي قالت له: خير إيه يا شوكت هو حصل إيه... لا خير إن شاء الله عندي مقابلة بكره في مكتب التوظيف... اللي أنت قدمت فيه الشهر اللي فات... أيوه... ربنا يوفقك يا بني إن شاء الله.
كان وقع الصدمة أليم على "نهى" خطيبة شوكت التي لم يمر على بداية خطوبتهما إلا سبعة أشهر، ولأنها عندما تحلم الحلم يتحقق بنسبة كبيرة ولأن إحساسها دائما بالأحداث يكون عالياً فتوقعها لسفر خطيبها يطل عليها كل حين كالشبح من نافذة خيالها حتى أنها أصبحت تكره النوم أو الجلوس لحالها فتأتيها تلك الأحلام عند النوم أو هذه الهواجس عند اليقظة التي تلح عليها بان خطيبها مفارقها سفراً لا محالة. 
سافر شوكت مبكرا من قريته التابعة لمركز كفر شكر إلى مكتب التوظيف بالدقي وما أن وصل على البوابة حتى قال للحارس: عندي مقابلة بالداخل فسأله الحارس عن اسمه وطلب البطاقة الشخصية، فأبرزها له شوكت فسمح له بالدخول، وانتظر شوكت دوره ضمن المجموعات التي تدخل تباعاً على اللجنة، تهزه ضربات قلبه حيناً، ويتمالك نفسه ويستغفر الله فيسيطر عليها حيناً، وما أن نادى الساعي على مجموعته حتى تمالك نفسه وحافظ على رباطة جأشه مستعيناً بالله جالساً في أحد المقاعد المخصصة لأفراد المجموعة، وما هي إلا عشرين دقيقة حتى انتهت المقابلة التي ظن في نفسه أنه أبلى فيها بلاءاً حسنا، وأخبره القائمون عليها أنهم خلال أسبوع سيقومون بالرد عليه إن شاء الله.
مرت ساعات وأيام الأسبوع ثقيلة على شوكت الذي يعرف حظه جيدا فهو يدرك تماماً مدى إمكانية أن يعضه الكلب في المولد، أو أن يعثر على العظم في الكرشه، مترنحاً ما بين توقعه لحظه وبين مؤشرات وإرهاصات لا يدركها تكاد تجزم بقرب موعد سفره, وقبل نهاية الأسبوع بيوم جاءه النبأ الأهم على الإطلاق والذي كان ينتظره.
نعم هو الخبر اليقين "مبروك لقد وقع عليكم الاختيار للتعاقد والسفر للعمل بوزارة التربية والتعليم بالمملكة". تأتينا غداً لتوقيع العقد والبدء في تخليص إجراءات السفر.     
بدأت نهى تدخل في موجات بكاء تشتد وتخفت بين مد وجزر حسب تذكر وجدانها للوضع الجديد الذي ستصبح عليه في حال سفر شوكت الأمر الذي أرق شوكت كثيراً فعيناها الجميلتان ذبلت من كثرة البكاء ليومين متتاليين.
يا حبيبتي كفاية عياط لسه قدامي كام أسبوع على ما أخلص الورق خلي العياط ده لبعدين... أيوه ماأنت مش هامك حاجة... يا حبيبتي إزاي أنا مسافر ومعرفش إيه مصيري ولا رايح فين بس الصبر والثقة في الله تقويني إن شاء الله... اضحكي بأه... أيوه يا خويا أنتو دايماً كدة يا رجالة قلبكو جامد... ياحبيبتي لو قعدت جنبك مش هنخلص كدا احسن واختصار للوقت إن شاء الله.
بدأ شوكت رحلة تخليص أوراق السفر بدءاً من المستشفى الذي يعمل به مرورا بمكتب التوظيف، ومكتب تصاريح العمل، وانتهاءاً بمكتب الخطوط السعودية الرئيسي بقصر النيل، تختلط المشاعر داخل وجدانه، ففرحة بباب رزق جديد سيغير حياته، ممزوجة بأمل في مستقبل مشرق بانتظاره، يطل عليهما باستحياء من حين لآخر وجد وحنين، يخرجان على هيئة تنهيدات وآهات من فراق يطل كالشبح ويسوقه إليه خياله عن أهل ووطن طالما  ترعرع ونشأ في كنفهم.
الأيام الأخيرة قبل السفر كانت هادئة وفارغة بعد إتمام الإجراءات حتى هذه الأيام اختلطت السمات فيها فهي تمر بفراغ دون عمل وشغل بتحضيرات السفر ويمر الوقت ببطئ في انتظار لحظة الانطلاق وبسرعة قبل مفارقة الأهل والأحباب.
جاءت لحظة الانطلاق والجميع ملتف حول المسافر المفارق ابتسامات مصطنعة يرسمها للتعبير عن رباطة جأش وقوة تحمل مصطنعة لفراق آتٍ لا محاله، تخفي أنات دفينة من لوعة فراق تكاد تزهق الروح وتحركها خروجاً من الصدر عند تحرك عجلات السيارة المقلة للمسافر وجمعه الذي سيفارقه بعد ساعات معدودة.
يا شوكت... نعم يا حضرة الناظر... حضرت كلمة الصباح... أيوه يا أستاذ... طيب تعالى خد الجورنان عشان تشوف الأخبار اللي معلملك عليها تقرأها في الإذاعة... "مدرسة صفا"، الإذاعة المدرسية، "السيد مدير المدرسة، السيد ناظر المدرسة، أساتذتي الكرام، إخواني الطلبة والطالبات، الآن نحن على موعد مع فقرة أخبار اليوم وهذه أهم الأنباء "مصر لازالت تتربع على عرش مصدري القطن طويلة التيلة في الترتيب العالمي الجديد وأمريكا في المرتبة الثانية"، "العراق يسيطر على مناطق إستراتيجية بشط العرب وجزيرة الفاو وأنباء عن مشاركة متطوعين مصريين في المعارك"، "الصحف الأمريكية تكشف فضيحة إيران كونترا وتورط إسرائيلي في صفقات تصدير السلاح لإيران" شكرا للطالب شوكت عبد الحليم والآن مع تحية العلم... "مدرسة صفا"، "مدرسة إنتباه"... تحيا جمهورية مصر العربية تحيا جمهورية مصر العربية تحيا جمهورية مصر العربية.
 أفاق شوكت بعدما وكزته نهى "إيه هتفضل سرحان كثير"... "معلهش يا حبيبتي شكل المدرسة والعلم لسه في مكانه فوق بيرفرف رجعوني لورا شوية.
  التفت شوكت ونظر نظرات خاطفة من الزجاج الخلفي للسيارة تبرز مشهد لم ولن يغيب عن ذاكرة الغريب بيوت تتوارى خلف بعضها وأغصان الأشجار تهتز تمايلا لوداعه بلهفه وطريق البلدة الرئيسي يطوى تحت إصرار سائق يدعس اللحظات بقدمه فتهرب سريعاً، ويأبى ألا يرحم ضعف الغريب فيخلع قلبه من جوفه ويخلع كيانه من كيانه، فزادت سرعة خفقات قلبه التي تهز صدره مع سرعة السيارة التي يقودها السائق هرباً من الزمان والمكان.
هدأ روع شوكت قليلا عندما اختفى هذا المشهد المؤلم الذي انتزع روحه من جسده للحظات وعاد لهدوئه المصطنع عندما اتخذت السيارة موضعها وسرعتها على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار القاهرة، ولحظات الصمت تخيم على الجميع الكل يتظاهر بالانشغال فأخته ناهد تصب الشاي من حافظته، وتعطيه لشوكت وتفتح حافظة طعام أخرى وتخرج ساندويتش وتناوله له ومن يشتهى الطعام ساعة الاحتضار، رفض بنظراته الذابلة لها فتفهت بسرعة وراحت تطعم الصغار في السيارة لعلها تشغل نفسها بهم ريثما تمر تلك المحنة.
الأم تجلس بجوار فقيدها تلف يدها على عنقه وتتمتم بشفتيها ناظرة إلى السماء تلتفت إليه كل حين بنظرات ألم موصية إياه "تاخد بالك من نفسك وتاكل كويس ومتهملش في نفسك وصحتك" ويجيبها بالابتسامة المصطنعة مقبلا رأسها "حاضر يا ست الكل"، فتنتظر قليلا ثم توصيه "أول لما توصل بالسلامة تطمنا عليك" فيطبطب على كتفها في صمت مبتسم مطاطئاً رأسه "إن شاء الله". 
مرت الدقائق سريعا ووصلوا للمطار فأسرع محمود أخو شوكت بتنزيل الشنط وقام الأستاذ عبد الخالق حمى شوكت بمساعدته وأشعل الأستاذ زكري أخو الأستاذ عبد الخالق سيجارة وتنحى جانباً بها. حر أغسطس شديد والشمس تلفح الوجوه بحراتها في وقت الذروة، رص محمود الشنط على العربة متجها نحو الصالة ونزل شوكت من السيارة وقبل رأس أمه وهنا انفجرت نهى بالبكاء فلم يستطع شوكت الحركة وتسمر في مكانه وأحس أنه مكبل فأخذ الأستاذ عبد الخالق نهى جانبا وهدأها مقبلا رأسها وانتهى الأستاذ زكري من سيجارته فأقبل على شوكت مودعاً ... متزعلشي مني... ما تقلش كدا يا أبو محمد أنت أخويا الكبير... يعني مسامحني... يا راجل مفيش بيننا حاجة أصلا تخليني أزعل منك... طيب مع السلامة، أقبل الأستاذ عبد الخالق وسلم على شوكت... خد بالك من نفسك، ولا إله إلا الله... محمد رسول الله... سلم محمود العربة لشوكت وأقبل عليه... خد بالك من نفسك ولو حسيت إنك تعبان ولا حاجة إنزل "احنا عندنا البيت القديم وحتة الأرض الزراعة ممكن نبيعهم" فأسرها شوكت في نفسه ولم يعقب وقال: إن شاء الله، قبل شوكت رأس أمه مودعا إياها، ودفع عربته قائلا: السلام عليكم. فانفتح باب المطار الأوتوماتيكي آذناً له بالدخول للعالم الآخر المجهول فرفعوا أيدهم جميعا مع السلامة. 
صحراء نجد

بدأت رحلة تخليص إجراءات السفر داخل المطار والحزن هو رفيق شوكت بعدما ودع أهله إلا هذا القرين المؤقت ثقيل الظل والذي كبل الرجل وجعله أمره عليه غمة رغم حالة الحماس والشجاعة التي بدأت تتسرب إليه حيث أنه قطع على نفسه العهد بأن يكون رجلا يستكشف الحياة الجديدة بشغف وهدوء ويتحدي الغربة والوحدة وإن أثرت عليه بعض المواقف المؤثرة والتي يخوضها منذ عدة أيام.
صالة الترانزيت تكشف جوف المطار الذي يعج بالحركة والذي كان يراه شوكت في الماضي عبر الطرق المحيطة بالمطار أما اليوم فهو في قلب الحدث بل هو سيكون الحدث بعد أن فتح باب الرحلة وبدأ الركاب في التوافد إلى الأنبوب المؤدي إلى الطائرة وعندما جلس شوكت في المقعد الذي كان يتمناه بجوار النافذة قرأ دعاء السفر وبعض التعليمات الخاصة بالسلامة وكتالوج يشرح مواصفات الطائرة البوينج 777 صاحبة المحركات الضخمة حتى بدأت الطائرة تتحرك خلفاً مدفوعة بلودر ضخم كان قد رآه معلقاً بعجلاتها الأمامية قبل الصعود وتهيأت الطائرة للحركة فزادت سرعة المحركات وزادت معها ضربات قلب شوكت شغفاً في الطيران ورهباً من نزعه من أرض مصر نزعاً
وقف الطيار على جانب من بداية الممر في وضع استعداد منتظراً هبوط إحدى الطائرات وما أن هبطت ورآها شوكت من النافذة استدارت الطائرة لتستقبل الممر وانطلقت بسرعة جبارة حتى ارتفع أنفها وطارت ومعها نظر شوكت من النافذة مطلا على أرض المطار وما يحيط بها من مباني  التي بدأت تصغر حتى توارت عن نظره توارت مصر بأرضها عنه وبقية الغصة في حلقة والضيقة في صدره نتيجة الفراق والارتفاع إلى السماء، وزعت السماعات على الركاب فأخذ سماعته وضغط على الريموت فظهرت الخيارات على الشاشة التي أمامه: سمعيات.. أغاني أم كلثوم.. فات الميعاد .. وبقينا بعاد .. والنار النار بقت دخان ورماد.. وتفيد بإيه إيه يا ندم ياندم وتعمل إيه إيه ياعتاب.. طالت ليالي ليالي الأسى واتفرقوا الأحباب اتفرقوا.... وكفاية بقى تعذيب وشقى ودموع في فراق ودموع في لقى.. تعتب عليا ليه أنا بإيدايا إيه أنا بإديا إيه فات المعياد فات فات المعياد.
يا بنتي فكري كويس عشان بعد كدا ما تندميش... يا بابا خلاص أنا مقتنعة وإن شاء الله هيكون خير... يا بنتي فيه ناس كتير بتقول لأ ومنهم عمك زكري وحتى جدتك مش موافقة وأنا مش هاخد رأي حد ده قرارك واللي هتقرريه هوافق عليه أنا عارف إن شوكت شاب كويس بس أنا خايف بعد كدا ترجعي في كلامك أو تندمي لما تروحي الجامعة وتشوفي أحسن منه ساعتها هتجوزيه غصب عنك ماشي... يا بابا خلاص هو شوكت وبس ومش هلاقي أحسن منه... ماشي... ماشي إيه يا عبد الخالق إيه الكلام الفارغ ده البنت لسه صغيره ومش عارفه مصلحتها فين وأنا بصراحة مع إن شوكت صاحبي بس أنا مش موافق عليه وفيه ناس كتير في العيلة عرفت ومش موافقين... خلاص يا زكري هيا قررت وتتحمل نتيجة اختيارها. إيه يا حاجة ما بتكلميش ليه... هتتكلم تقول إيه يا عبد الخالق هي مش موافقة زيي بالظبط... خلاص يا زكري دي رغبتها وده اختيارها وهي حرة.
الدبلة والخاتم والمحبس حلوين يا حبيبتي... طبعاً مش شوكت اللي جايبهم... ربنا يقدرني وأجيبلك أحسن منهم ميت مرة بس أنا حاسس إن فيه ناس كتير مش مبسوطة وكأنهم جايين غصب عنهم... ملكش دعوة بحد ومتشغلش نفسك بأي حد وأهم حاجة أنا وأنت نكون كويسين ومبسوطين... عمك شكلو مش مظبوط وشكلي كدا مش هروح عندو تاني ... براحتك اللي يعبرك قيراط عبره قيراطين... موضوع خطوبتنا ده اصلا بين ناس كتير أوي على حقيقتها... أنا عارفه عشان كدا بقولك المهم أنك تكون مبسوط وتبص لمستقبلك وبس.... طبعاً يا حبيبتي وأنتي عارفه إن حركات الناس دي تأثر فيا بردو.
 إيه رأيك في المادة اللي أنا لخصتهالك... أنت عفريت البنات كلهم خدو الكشكول وصورا التلخيص بتاعك زكل امتحان التيرم جهم منو يا عفريت... ما أنت عارفة أنا بقرا اللي في دماغ الدكاتره بتوعكو... وأنت أصلا مركز التلخيص على حاجات مهمة بجد... عقبال ما تخلصي الكلية ونتجوز إن شاء الله ياه لسه بدري قدامك أربع سنين يا حلو... كويس عشان يكون ربنا كرمنا وجبتلك الشبكة وشطبت الشقة براحتي... إن شاء الله... عاوزة حاجة ... رايح فين ... هروح أذاكر عشان أراجع مسائل حساب المثلثات ودروس الاحياء اللي خدتها النهاره... أنتي عارفه أنا عاوز أجيب مجموع السنة دي وفي تالتة كمان عشان أدخل كلية كويسة وأحصلك يعني إنتي تكوني جايبة في الثانوية العامة 90% وتدخلي تربية عام وخطيبك يبقى في ثانوية منازل ويدخل كمان كلية أي كلام... أنت طول عمرك شاطر والكل كان بيتحاكى بيك في المدرسة وإصرار أبوك الله يرحمه على دخولك مجال غير اللي انت عاوزه مش نهاية الدنيا وكمان ظروفه كانت وحشه ومتهيألي إنو فكر صح بردو... الحمد لله كل شيء مقدر للإنسان هيشوفو وإن شاء ربنا يوفقنا ونكون أحسن الناس... بإذن الله يا حبيبي.
حضرات السادة الركاب نحن الآن على مقربة من أجواء مدينة الرياض ونظراً لقرب الهبوط بمطار الملك خالد الدولي بالرياض نرجو ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط.
لحظات المرور من الأنبوب المؤدي إلى صالة المطار المكيفة من باب الطائرة كانت صعبة لإختزاله كمية من الحرارة داخل تجويفه المعدني المعرض لأشعة الشمس الحارقة كفيله بازهاق أرواح العابرين.
اخرج شوكت وريقة صغيرة بها رقم تليفون عامر "ابن خالته" وبعد المحاوله مرتين استجاب الهاتف ورد عامر "ألو مين... إزيك ياعامر شوكت معاك... أهلا وسهلا بتكلم منين ... من المطار... طيب العنوان معاك خد ليموزين وتعالى" استقبل عامر شوكت بعد أن انكسرت حدة الشمس ووضع الشنط في السكن ونزل به للمطعم المجاور وطلب له الغداء فأكل شوكت ثم صلى المغرب والعشاء جمعا وقصرا واستأذن من عامر للنوم "بدري يابني... معلهش أنت عارف السفر وتعبه هروح أنام وأريح جتتي أحسن... ماشي أنا جنبك هنا أهوه في المحل لو احتجت حاجة أنا صاحي لنص الليل... ماشي... سلام".