إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 5 مارس 2011

اقتراح للمجلس العسكري بخصوص جهاز الشرطة

الغياب الأمني الرهيب الذي ينتشر في ربوع مصر الآن أدى إلى زيادة الجرائم التي يقوم بها البلطجية، وتسبب الفراغ الأمني في تجرأ الخارجين على القانون في التجول بحرية والسطو على الناس وأملاكم في وضح النهار، وساعدهم على ذلك وجود قطع السلاح التي توفرت بكميات كبيرة بعد سرقتها وكذلك هدم السجون وخروج الكثير من المساجين لتكوين عصابات تقوم بتلك الجرائم.
عدم وجود عناصر الشرطة في أماكنها ساعدت عليه عدة عوامل معظمها كانت قبل الثورة وأهمها الصورة الذهنية السيئة لدى الشعب عن الشرطة، أضف إلى ذلك معاملة بعض رجالها السيئة ضد الشعب، وسمعة جهاز أمن الدولة، وكثير من عمليات التعذيب التي شهدتها أقسام الشرطة ومراكز الاعتقال. وهناك بعض الحوادث التي حدثت بعد الثورة أدت إلى تفاقم الوضع مثل حادثة المعادي وكليب مدير أمن البحيرة.
إن الشرطة اليوم بعدم نزولها إلى أماكنها تزيد من فرص المجرمين في إحداث الكثير من الجرائم، وتمهد لعمليات أكبر تصل إلى السطو المسلح على قرى بأكملها، وهذا ما حدث في قرية تابعة لمركز منيا القمح منذ ساعات، وعدم رجوع رجال الشرطة إلى أماكنهم يأتي لسببين وهما: إما خوفهم من رد فعل الناس تجاههم، وهذا إحساس غير صحيح بالمرة، أما السبب الآخر فهو الإصابة بداء العظمة وعدم الموافقة للرجوع إلى العمل بهذا الوضع الجديد الذي يتساوى فيه جميع المواطنين في الحقوق ولا يكون لجهاز الشرطة اليد العليا على الشعب، والذي صرح بهذا الإحساس مدير أمن البحيرة منذ أيام. لذلك أقترح على المجلس العسكري إسناد وزارة الداخلية لرجل من الجيش برتبة لواء مثلا، ويكون هناك ميثاق شرف جديد يعكف على كتابته أهل القانون وضباط من العلاقات العامة للشرطة وأعضاء من مراكز لحقوق الإنسان، يتم صياغة هذا الميثاق بين الشرطة والشعب خلال شهر مثلا، ويتم استدعاء مديري مديريات الأمن لقراءة الميثاق، وتخييرهم بين العمل به أو التقاعد، وكذلك كل أفراد الشرطة يطلعوا على الميثاق الذي يتضمن تعهد مكتوب بعدم التعدي لفظيا أو جسديا على أي مواطن مصري، ويمكن فتح باب التطوع لجهاز الشرطة الجديد لتعويض النقص فيه، كما يتم تدريب أفراد الشرطة تدريبا نفسيا وعسكريا في مراكز تابعة للقوات المسلحة. وهناك اقتراح آخر حدثني عنه أحد رفاقي وهو القيام بتجميع قيادات الشرطة من جهة، ومثقفي الشعب والشباب بإستاد القاهرة لعمل مناقشة حرة لطرح الأفكار والتفاهم على وضع جديد بين الشرطة والشعب.
إن الدور الحقيقي لرجال الشرطة كان وما زال وسيظل محاربة الجريمة والعمل على توفير الأمن والأمان للمواطن وهو الدور الذي اختفى منذ سنوات عديدة تعدى عددها أصابع اليدين فأصبح الترويج للمخدرات وتعاطيها علنا في الشوارع، وأصبحت الخلافات بين المواطنين تصفى خارج اقسام الشرطة بل تصفى بالدم أولا فعند استدعاء الشرطة في السابق للفصل بين مشاجرات العلائات والأفراد كان الرد بالمقولة الشهيرة جاهز (عوروا بعض الأول وبعدين تعالوا، عاوزين نشوف دم) وكثيرا من الجرائم والأحداث الأخرى التي قصرت فيها الشرطة هو ما جعلها في هذا الوضع الآن.
هل من مقترحات أخرى وأفكار جديدة

الأربعاء، 2 مارس 2011

العطاء اللاإرادي

العطاء اللاإرادي
شيء جميل أن ترى شعباً هم بعد غفوة، واستنهضته همته للقيام بما يجب أن يقوم به منذ سنين، فحملات النظافة الشعبية التي تجوب ربوع مصر الآن في مدنها وقراها شيء رائع، وتغيير سلوك المجتمع نحو الأفضل يدل على أنه مجتمع أصيل متجذر في عراقته وحضارته، فبعد أن كنا نعيش قبل الثورة حالة اللامبالاة والفوضوية وعدم الاكتراث لصيحات الضمير، وتطبيق بعض الشعارات مثل "أنا ومن بعدي الطوفان" أو "إحييني النهاردة وموتني بكرة" أو "إن كان لك عند الكلب حاجة" وانتشار كثير من تلك الشعارات والصور السيئة، التي أدخلنا فيها النظام السابق رغما عنا بسبب التضييق على الناس، وإدخالهم في صراع مع الحياة، بمحاولة تصفية الوطن من نخبته وطبقته الوسطى، والدخول بالمجتمع إلى غياهب الفقر والمرض والعوز والحاجة، أصبحنا اليوم في اتئاد وتآلف لم نشهده منذ حرب أكتوبر.
نظام قطع فينا الوحدة والتعاون والتآلف، وعمل بمنطق فرق تسد، قطع فينا الأمل والرجاء والعطاء وأصبح الكل يقول "إشمعنا" وأصبح الكل في حالة تصارع نحو سد الرمق وسد الاحتياجات الضرورية، ومنع عطائه لوطنه ولمجتمعه من جهة (حتى وإن كان العطاء خصلة أصيلة فيه)، والنظر بعين الحسرة والذهول لما آل إليه وضع أقلية نهبت كل شيء ولم تترك حتى الفتات من جهة أخرى.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحال هو الحال الطبيعي الذي يجب أن نكون عليه، فنحن نعيش في مجتمع متآلف متوحد لا يوجد به اختلافات كثيرة، مجتمع به من الخصال الطيبة ما لم تجده في كثير من المجتمعات الأخرى، ولذلك فإن العطاء والبذل هي سمة أصيلة فينا، والفترة الماضية في العهد السابق ما هي إلا استثناء.
ولأن أعضاء الجسد الواحد تختلف عن بعضها البعض من حيث التكوين الفسيولوجي ونوعية الخلايا، فإن لكل عضو سمة وميزة تميزه عن باقي الأعضاء، فالعضلات الملساء في الجسم تختلف في عملها عن العضلات المخططة رغم كونهما من فصيلة العضلات، فجل العضلات الملساء في الجسد تعمل ذاتياً بقدرة الله عز وجل، أو ما يمكن أن نطلق عليه نحن "لاإرادياً"، كعضلة القلب على سبيل المثال، أما العضلات المخططة فهي التي تعمل بتلقي الأوامر من الدماغ عبر الجهاز العصبي بشقيه، كعضلة العضد مثلا، ولذلك فإننا هنا يجب أن نفرق بين أعضاء الجسد، التي هي أعضاء المجتمع الذي نعيش فيه بين من يعمل ذاتيا ومن يعمل بانتظار الأوامر، وإن كان الكل فيه الخير بإذن الله، فمن يفكر، ويبادر، ويقترح، و يخطط، وينهض لينفذ، خير ممن يُستنهض ويُستثار ويُعاتب وفي بعض الأحيان يُؤنب ليعمل، وهذا هو الفارق الذي صنع ثورتنا وعلا همتنا وغير أحوالنا بإذن ربنا.
العطاء اللاإرادي سمة تميز عضو المجتمع وتجعله بين البقية كالعضلة التي تعمل ذاتياً "أملس، رقيق، نسمة بين أقرانه، محبوب، مرغوب، وبالإنجليزي سوفت، SOFT ". وتجعل بقية أعضاء المجتمع من حوله كالعضلات المخططة "قوية نعم، لكنها تنتظر الأوامر لتعمل، خشنة، متضخمة بعد كثرة العمل" لكنها في النهاية فيها الخير أيضا إن شاء الله.
أيها الأعضاء الكرام أعضاء مجتمعنا الجديد بعد الثورة. إن كثرة الأعضاء الذين لديهم عطاء في المجتمع هو ما يستنهض الأمم ويبني الحضارات، وحبذا لو تحول هذا العطاء من عطاء برؤية الناس من حولنا بمثل هذا الحماس، وهذه الصورة الإيجابية بعد الثورة، وبهذا التأثر والتقليد، حبذا لو تحول إلى عطاء لاإرادي، تتدرب عليه نفس كل عضو وتغرسه كخصلة أصيلة داخلها، فيتغير مجتمعنا، وتبنى حضارتنا، بتغيير توجهنا، فكن أيها العضو إيجابياً معطاءاً، منظماً، غير مبالٍ، غير ساكت عن الحق، مؤمناً بدورك وبوجودك في هذا البناء الذي أنت عضو فيه، وفي هذه الأرض  (أرض مصر) التي تحتاج منا الكثير.
 وأخيراً "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم.
(نشأت النادي – مارس 2011م)

الاثنين، 28 فبراير 2011

من شعب مصر إلى الرئيس السابق

يا رئيسنا يا سابق يا حكيم وناضج
ومحدش غير جنباك طلع طيار
يا فاتح حساب في كل البنوك
وماصص دم شعبك بالجنيه والدولار
يا عايش في شرم
وواكل بخيرها شوكولا سويسري وبتضرب كفيار
والست المدام عليها السلام
تسافر وترجع بطيارة خاصة وتحت أمر جنابها المطار
وسعادتك تأمر وتنهي وتشخط وتنطر
ومفكرها عزبة ومن غير وجودك هتصبح دمار
أوعاك تفكر إنك هتفلت
وهننسى ونسكت وترجع أيام الكوسة والخيار
دا ياما صبرنا وحقنا وكتمنا
وغلبنا كلام لحد ما وصلت لدرجة الانتحار
وعصابا وشلة مطبلاتي وقله
وحزب وأمانة وسياسة كانت على الحكومة عار
ديمقراطي ووطني وعصري وحديث
وبايع أراضي وناهب بلادي وأهوه استثمار
دعاوي كتير من المظلومين في دنيا ودين
ومش هامك عقاب وآخرة ونار
وبطانا فاسده على الشعب كاتمه
سماسره وعملا ورجال فساد في البلد تجار
ووزرا باعداديه ودبلوم صنايع سابوا الشعب ضايع
باللقمة عايش وفي غموسه حار
علاء وجمال وراسخ والجمال نسايب العيال
يبيعوا ويشتروا ودايما في شرم على كل بار
وحسين وسالم ومحمد وابراهيم وبطرس ووالي باعوا كل غالي
وقبضوا التمن عالي وهربوا وفاتوك خلف البحار
وعز ومفيد وسرور والشريف والعادلي ونظيف ما سابوا الرغيف
نخروا في عضم الغلابا وخلوا حالنا انحدار
وعملا وخونه وجواسيس وسفرا في أرضنا
على عرض مصر وشرفها كله بيلعب قمار
ياه ده كلوا فساد كان الشعب عايش عيشة هباب
ولا حد فيكوا داري إيدكوا في ميه وإيدوا في نار
سكنتوا القصور وسكنا القبور
كماليات جنابكم اتاوه وضرورياتنا ولعه نار
سلع معاليكم من برا مغلفة ومفتخرا
وضريبة مبيعات علينا ترفع الأسعار
ياه عليك كدا هنا ورقمنا كبير وغمة
أديك وصلتنا من انهيار لانفجار
من ساعة أحداث يناير الواحد مصدوم وحاير
ما سمعنا ألف ولا مليون لأ كلوا بالمليار
قصص لها العجب وشعب مل وتعب
والأسرة الكريمة مازالت في حالة افتخار
كنت لنا قائد ورمز ورئيس لحد ما جه مشروع التوريث
وقلت أنا وابني والكل بعدي غار
غربت شعبك جوه هجرت شعبك بره
واتحكم فينا أصحاب الريال والدينار
آسف ياريس قصدي ياللي كنت ريس
آسف إنك رفعت عن نفسك الوقار
المحاكمة جاية وهتشيل القضية وهتلبس الجلابية
والشلة بحالها جاية مهو هي مش تكية
ونشوف شعرك أبيض وترجع بلدنا عمار × عمار

السلطة الآن بين الجيش والإخوان


في مساء يوم الثامن والعشرين من يناير لعام 2011م، نزلت آليات الجيش المصري إلى الشارع كإجراء أخير بعدما دارت معارك شديدة بين المتظاهرين والشرطة، عجزت خلالها الأخيرة عن صد المتظاهرين ومنعهم من تحقيق أول أهدافهم وهو الالتقاء في ميدان التحرير، ونتج عن تلك المعارك ضحايا وإصابات عديدة نتيجة استخدام العنف من الشرطة ضد هؤلاء العزل، وبعد انقشاع غبار المعركة واندحار قوات الشرطة وحرق العديد من آلياتها التي دهست الكثير من المحتجين، وخنق دخان قنابلها المسيلة للدموع لهم، واختراق رصاصها المطاطي لأجسادهم، نزلت قوات الجيش لحماية المباني الحساسة والمصالح العامة في القاهرة الكبرى وبعض المحافظات الأخرى، نزول ما رأيناه منذ ثورة 23 يوليو 1952م عندما نزلت قوات الجيش وطوقت القصر الرئاسي في عابدين، إلا عام 1986م في أحداث الأمن المركزي.
القوات المسلحة نزلت في هذا اليوم ليس لمحاصرة الفاسدين أو لإنهاء حكم ملك كما حدث عام 52، بل نزلت لحماية منشآت الدولة والحفاظ على الأمن العام في ظل حكم قائد مجلسها الأعلى الذي حدث في أواخر عهده تجاوزات تعدت كثيرا فساد الملك ونظامه من قبل، والذي اعترفت به المؤسسة العسكرية بل وقائدها الأعلى قبل تخليه عن السلطة بأنها أخطاء سياسية، وان مطالب المحتجين الشرفاء مشروعة، وهذا اعتراف ضمني بالفساد في عصر النظام السابق.
ثمانية وخمسون عاماً ونصف هي مدة حكم المؤسسة العسكرية منذ تولي اللواء محمد نجيب الحكم كأول رئيس جمهورية عام 52 مرورا بالصاغ جمال عبد الناصر الذي رفض استمرار الأحزاب السياسية وعودة الحياة الحزبية ونقل السلطة من قادة الثورة (الضباط الأحرار) إلى المدنيين، ثم جاء نائبه الرئيس السادات الذي ورث تركه ثقيلة من الأعباء نفضها كلها عن كاهله ثم هيئ الحياة السياسية المصرية للتنوع والتعدد الذي أصبح للأسف شكلي عندما سمح بعودة الأحزاب السياسية عام 1976م ورأس بنفسه الحزب الوطني، الحزب الذي أصبح فيما بعد الواجهة المدنية التي تقود الحياة السياسية المصرية وتوارت عن الأنظار القوات المسلحة إلا أنها بالطبع هي الحاكم الفعلي للبلاد بوجود قائدها الأعلى على رأس النظام في مصر.
النموذج التركي للحكم كان صارخاً عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك الدولة العلمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وانهيار الدولة العثمانية، فورث الجيش حكم البلاد إلى أن جاء قادة حزب العدالة والتنمية (إخوان تركيا المسلمون) للحكم عام 2000م، وبدءوا بعمل إصلاحات داخلية وخارجية للدولة، الإصلاحات التي لاقت استحسان الداخل واحترام الخارج، فزاد الدخل القومي التركي بل تضاعف عدة مرات، وارتفع الدخل وتحسنت الأحوال المعيشية للمواطن، وأثبت القادة الجدد جدارتهم الأمر الذي أدى إلى زيادة شعبيتهم وزيادة محاولات الانقلاب ضدهم من بعض قادة الجيش فهم الذين خطفوا الأضواء من هذه المؤسسة العسكرية الكبيرة، فيما قابلوا عملية الانقلاب بهدوء وذكاء شديدين، حتى انصاعت المؤسسة العسكرية لهم أمام شعبيتهم الجارفة، وقامت بإلقاء القبض على العديد من الضباط المشتبه بهم، وبهذا السيناريو انتهى حكم العسكر في تركيا وبدء عهد جديد قاده قادة حزب العدالة والتنمية التركي.
اليوم يتولى المجلس العسكري المصري إدارة شئون البلاد بعد أن أسند إليه الرئيس السابق أمور الحكم وإدارة شئون البلاد وذلك بعد الضغط الشعبي عليه والذي أدى إلى تخليه عن السلطة، ويأخذ على عاتقه تنظيم الداخل المصري المهلهل نتيجة غياب الشرطة وأزمة الثقة بينها وبين الشعب، كما يقوم أيضا بتنفيذ تعديلات دستورية ومحاكمة رموز فساد النظام السابق إلى جانب مهمته القومية في حماية البلاد خارجياً في ظل وضع حرج على الحدود الشرقية والغربية، ويقوم الآن بإجراء إصلاحات من شأنها التمهيد لحياة سياسية جديدة قد تأتي بحزب الإخوان المسلمين الجديد والآتي بقوة للحياة البرلمانية والتشريعية المستقبلية، فهل يسلم الجيش الحكم للإخوان على غرار النموذج التركي، ويخلي الساحة لمن يعتلي الحياة السياسة لحكم البلاد ويعود لثكناته العسكرية؟،وهو الذي اقر أنه لا يسعى للحكم وسيسلم الحكم للسلطة المدنية التي سيقوم الشعب باختيارها.

الأحد، 27 فبراير 2011

استنتاجات ومكاسب ومخاسر المشهد

في ظل هذه الأيام العصيبة التي تعصف بنا، وفي تحليل للموقف من وجهة نظر قارئة للأحداث ربما تكون صحيحة، وربما تكون خاطئة، وربما تحوي بعض النقاط التي يمكن أن تكون محل نقاش. نجد أنفسنا الآن أمام صدمة تعيشها مصر نتيجة تراكم أخطاء كثيرة، فمنذ ثلاثة عقود أخفق النظام خلالها في استثمار مرحلة استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي بعد الخروج من عدة حروب، كانت أدعى بنقل المجتمع المصري باقتصاد مهترئ ووضع اجتماعي سيء في فترة الحروب، من مصاف الدول المعتمدة على اقتصاد الحروب وربط الأحزمة على بطون الشعوب، إلى مصاف الدول المعتمدة على ذاتها باقتصاد قوي، وكانت يمكن أن تصنف من الدول التي يحسب لها حساب وتقدر بقدرها في المنطقة.
 فسيناء المحررة لم تمسها يد التعمير إلا النذر اليسير من المنشآت السياحية، التي تعتمد على وضع متذبذب وحساس لوقوعنا في منطقة ساخنة، وضع الغرب كل خبثه فيها اختراقاً للأمة الإسلامية، وأهملت مشروعات استصلاح وتنمية داخل سيناء كانت أدعى بإنشاء مجتمع جديد يغير طبوغرافيا منطقة طالما بقيت طوال عمرها منطقة صراعات وبوابة الأمة الحصينة من جهة الشرق، أما في الصحراء الغربية فالوضع أسوء، فمشروع توشكى الذي صرف عليه المليارات لم يؤتي أكله ولم يوظف لخدمة الدولة وشعبها، وجاءت برامج الخصخصة لتقضي على ما تبقى من ممتلكات تديرها الدولة، فحكومة عاطف عبيد تخلصت من الكثير من الممتلكات العامة بأبخث الأثمان، ثم جاء عهد جديد تولى فيه نجل الرئيس مسئولية تشكيل السياسات داخل الحزب الحاكم، ودار صراع مقيت بين حرسه الجديد وبين حرس قديم طالما أمسك بزمام الأمور، وكانت نتيجة الصراع تحالف نخبة من المتآمرين وأصحاب المصالح الخاصة والمتسلقين ضد مصالح وطموح الشعب، فتراجع قطاع الزراعة وزادت معدلات الفساد وازداد نفوذ المحتكرين ورجال الأعمال الفاسدين بعد تزاوج السلطة بالثروة، وبعد الكثير من المطالبات بتوضيح موقف النظام من التوريث وتوضيح موقف النظام من ترشيح الرئيس بعد عمر الثمانين عاماً، فاجأ النظام الشعب بتعديل دستوري في عام 2007م، كان يمثل بداية الحنق والغضب الشعبي، بعد عدم سماع نداءاته، ثم اختتم النظام المرحلة الملتهبة بانتخابات مزورة على أيدي رجالات حزب أكدوا مراراً أنه وطني (أي محسوب على الوطن) وعلى استحياء أنه ديمقراطي (ديمقراطية مستعينة بقوات الأمن والبلطجية).
بعد فوات الأوان وفي الوقت الضائع، فاجأنا الشعب التونسي بما لم نتوقع حدوثه، فألهب مشاعر شباب وجدوا أنفسهم منذ ولادتهم في حكم هذا النظام، ووجدوا أنفسهم في وضع يتدنى من سيء إلى أسوء. فكان وقود التحرك هو استهزاء واستهتار النظام بهؤلاء الشباب الذين حركوا جوارح الشعب، وملئوا في عروق جسده الهامد الدم المتدفق الدافئ، بعدما ضخ فؤادهم النابض روح الأمل في هذا الشعب المعدم.
النظام كعادته يهمس لنفسه بأنها زوبعة فنجان وستعبر كما في السابق، لكن النظام يريد والغرب يريد والله يفعل ما يريد، فالضغط على الجرح الملتهب والمحتقن بالصديد فجره من شدة الألم، فكان تصميم وإرادة الشباب ومن ورائه الشعب بكل أطيافه هو محرك هذه الثورة، التي جاءت لتنهي ملفات معلقة عديدة كملف التوريث وملف البقاء ما دام هناك قلب ينبض لهذا النظام.
استنتاجات الثورة تثبت الآن أن الجمع بين منصبي القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الحزب الحاكم جعلت من الحزب الحاكم الواجهة المدنية للجيش التي تستمد منه قوتها ونفوذها، واستغل نجل الرئيس وبعض المنتفعين هذا الوضع ليخطوا بالبلد نحو المجهول، فضرب الفساد أركان الدولة وعم البطش والتنكيل بالناس ربوعها، فأدار الشعب ظهره للنظام وأصبحت اللامبالاة عادته وعدم الاهتمام أو الاكتراث بما يقال على لسان النظام ديدنه، واقفل أذنا بطين والأخرى بعجين فأصابه الصمم الذي لحق بالخرس الذي أصيب به من قبل، وبدء كل فرد يبحث عن أي جزء من بلده يجده ملقى مما تبقى من فتات الضواري، والعجيب أن معظم الناس استحلت كل شيء بهدف الحصول على ما يكفي معيشتهم وأولادهم حتى بعض المتدينين، فسادت في المجتمع عادات وطباع جديدة لم يعهدها من قبل من استحلال الحرام وتلاشي الوازع الديني وكثرة الجرائم المتعلقة بالأحوال المعيشية الصعبة، وتوحش الناس في معاملاتهم المادية، وفقد هيبة الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها المؤسستان الدينية والتعليمية.
إن المجتمع المصري وصل إلى حافة الهاوية قبل الثورة وصل إلى قمة التدني الصحي والتعليمي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي نتيجة ما فرضه عليه النظام السابق من أوضاع غاية في الصعوبة، ولولا أنه مجتمع محافظ ومؤمن وله مواصفات خاصة به لانهار هذا المجتمع وذهب في طريق اللاعودة.
إن قدر الله نافذ ومشيئته قادرة على تبديل الأحوال، ورحمته بمصر وأهلها هي التي أوصلتنا إلى هذه الصبغة الجديدة التي نتمنى أن تتحسن سريعا بعد أحداث 25 يناير صبغة يعود بها المجتمع المصري إلى حقب مجده وعلمه وعافيته وحضارته وتاريخه ليعيد لمصر مكانتها وعز هويتها في المنطقة والعالم.
الخسائر:
رغم أن الوضع الحالي سيء إلا أنه لن يكون أسوء من ذي قبل، ولن نخسر أكثر مما كنا نخسره قبل الثورة من هدر للأموال والأراضي والثروات التي أنعم الله بها علينا، فيكفينا استرداد الأصول التي تداولها شياطين الإنس من أراضي وعقارات ومصانع وآليات خصصت لتصدير ثروات وخيرات البلاد إلى خارجها، واستفادة قلة قليلة من تلك الثروة. كما أن الاعتماد على اقتصاد خدمي يقوم على قطاعات غير مضمونة مثل المضاربة في البورصة والخدمات السياحية بينت مدى هشاشة الوضع الاقتصادي الذي يعتمد على تلك النوع من الدخل للدولة، وهي ضارة نافعة بحول الله فاتجاه الشباب الذين يعملون في هذه القطاعات إلى أعمال أخرى كالزراعة والصناعة في مشروعات قومية أو مشروعات فردية هو أفضل بكثير على المدى البعيد من العمل في تلك القطاعات التي وإن رجعت لا ينبغي التعويل عليها كثيراً، ويجب البدء في عمل مشروعات زراعية صناعية داخلية تحقق الاكتفاء الذاتي من معظم احتياجات المجتمع. إذاً فالمخاسر هي توقف عجلة الإنتاج في معظم مصانع القطاع العام وخصوصا في القاهرة الكبرى ومدن صناعية مثل الإسكندرية والمحلة والسويس أثناء الأحداث، كذلك توقف حركة السياحة وتحويلات المصريين بالخارج أثناء أحداث الثورة، وكلها مخاسر هينة في سبيل النهوض بالبلد إلى هذا الوضع الجديد، أما الخسائر الكبرى التي لا تعوض بمال فهو فقدان خمسمائة شاب وإصابة آلاف من شباب الوطن الذين كانوا وقود هذا التغير نسأل الله أن يرحمهم.
المكاسب:
إن قدر الله لنا المضي في طريق صحيح، وتم ما ينبغي من إصلاح، ولم تحدث انتكاسات للثورة، وتم القضاء على كل خفافيش الحزب الوطني، وكل خفافيش جهاز الشرطة وأمن الدولة السابقين، وتم تقليم أظافر النظام السابق نهائيا من البلطجية والمتعاونين والمستفيدين منه، ولم تحدث ثورة مضادة أو إبقاء وضع بيئة الفساد وتربته كما كانت من قبل، فإن المكاسب ستكون كثيرة وعظيمة أولها، عودة الروح العظيمة للشعب المصري روح العزة والكرامة والتعاون بين الناس، روح النكتة السياسية التي فقدت قبل الثورة بسنوات وخفة ظل الشعب المصري، روح المشروع القومي والهدف القومي الواحد، روح النضال وقيادة الأمة لما فيه تقدمها ووحدتها، والتغيير الذي حدث في مصر سيتبعه تلقائياً تغيير على مستوى المنطقة كلها يصب في صالح وضع مصر الجديد بالطبع، كما أن تطهير البيئة الداخلية من الفساد والمفسدين سيخدم الشعب المصري واقتصادها ومواردها على المدى القصير والبعيد، كما أن الرجوع إلى إنشاء وتنفيذ المشروعات القومية ذات القوة الداعمة للاقتصاد سيطور وينمى الاقتصاد وموارده ويزيد الدخل القومي المصري على المدى البعيد، إضافة إلى عدم الاعتماد على الاقتصاد الخدمي ذات الدخل المتذبذب المعتمد على المقامرة للأوضاع الداخلية والخارجية.
كل ذلك يتم في وضع سياسي جديد يتم فيه وضع آليات جديدة لإدارة الدولة، تساعد على محاسبة المقصرين والمفسدين، وتمنع انجذاب الشللية وأصحاب النفوذ المالي نحو أصحاب النفوذ السياسي، وضع سياسي ينهي زمن الرئيس الذي يحكم حتى الموت وينهي زمن الرجل الواحد، والحزب الواحد، والنادي الواحد، والمدير الواحد. وضع سياسي صحي يحكم فيه الشعب ويقرر مصيره بيده كل أربعة سنوات. مأ  ععهعهعهتعهتلل
المكاسب كثيرة ولا حصر لها عندما نتوحد سويا في سبيل إقصاء الذين يريدون انتكاس هبة هذا الشعب، سواء أكانوا في الداخل أم كانوا في الخارج، والأيام القادمة وضعها دقيق وشديد الحساسية إن قدر الله لنا الخروج منها بسلام (نسأل الله ذلك) سننطلق بدولتنا نحو آفاق جديدة.