إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 مارس 2011

العطاء اللاإرادي

العطاء اللاإرادي
شيء جميل أن ترى شعباً هم بعد غفوة، واستنهضته همته للقيام بما يجب أن يقوم به منذ سنين، فحملات النظافة الشعبية التي تجوب ربوع مصر الآن في مدنها وقراها شيء رائع، وتغيير سلوك المجتمع نحو الأفضل يدل على أنه مجتمع أصيل متجذر في عراقته وحضارته، فبعد أن كنا نعيش قبل الثورة حالة اللامبالاة والفوضوية وعدم الاكتراث لصيحات الضمير، وتطبيق بعض الشعارات مثل "أنا ومن بعدي الطوفان" أو "إحييني النهاردة وموتني بكرة" أو "إن كان لك عند الكلب حاجة" وانتشار كثير من تلك الشعارات والصور السيئة، التي أدخلنا فيها النظام السابق رغما عنا بسبب التضييق على الناس، وإدخالهم في صراع مع الحياة، بمحاولة تصفية الوطن من نخبته وطبقته الوسطى، والدخول بالمجتمع إلى غياهب الفقر والمرض والعوز والحاجة، أصبحنا اليوم في اتئاد وتآلف لم نشهده منذ حرب أكتوبر.
نظام قطع فينا الوحدة والتعاون والتآلف، وعمل بمنطق فرق تسد، قطع فينا الأمل والرجاء والعطاء وأصبح الكل يقول "إشمعنا" وأصبح الكل في حالة تصارع نحو سد الرمق وسد الاحتياجات الضرورية، ومنع عطائه لوطنه ولمجتمعه من جهة (حتى وإن كان العطاء خصلة أصيلة فيه)، والنظر بعين الحسرة والذهول لما آل إليه وضع أقلية نهبت كل شيء ولم تترك حتى الفتات من جهة أخرى.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحال هو الحال الطبيعي الذي يجب أن نكون عليه، فنحن نعيش في مجتمع متآلف متوحد لا يوجد به اختلافات كثيرة، مجتمع به من الخصال الطيبة ما لم تجده في كثير من المجتمعات الأخرى، ولذلك فإن العطاء والبذل هي سمة أصيلة فينا، والفترة الماضية في العهد السابق ما هي إلا استثناء.
ولأن أعضاء الجسد الواحد تختلف عن بعضها البعض من حيث التكوين الفسيولوجي ونوعية الخلايا، فإن لكل عضو سمة وميزة تميزه عن باقي الأعضاء، فالعضلات الملساء في الجسم تختلف في عملها عن العضلات المخططة رغم كونهما من فصيلة العضلات، فجل العضلات الملساء في الجسد تعمل ذاتياً بقدرة الله عز وجل، أو ما يمكن أن نطلق عليه نحن "لاإرادياً"، كعضلة القلب على سبيل المثال، أما العضلات المخططة فهي التي تعمل بتلقي الأوامر من الدماغ عبر الجهاز العصبي بشقيه، كعضلة العضد مثلا، ولذلك فإننا هنا يجب أن نفرق بين أعضاء الجسد، التي هي أعضاء المجتمع الذي نعيش فيه بين من يعمل ذاتيا ومن يعمل بانتظار الأوامر، وإن كان الكل فيه الخير بإذن الله، فمن يفكر، ويبادر، ويقترح، و يخطط، وينهض لينفذ، خير ممن يُستنهض ويُستثار ويُعاتب وفي بعض الأحيان يُؤنب ليعمل، وهذا هو الفارق الذي صنع ثورتنا وعلا همتنا وغير أحوالنا بإذن ربنا.
العطاء اللاإرادي سمة تميز عضو المجتمع وتجعله بين البقية كالعضلة التي تعمل ذاتياً "أملس، رقيق، نسمة بين أقرانه، محبوب، مرغوب، وبالإنجليزي سوفت، SOFT ". وتجعل بقية أعضاء المجتمع من حوله كالعضلات المخططة "قوية نعم، لكنها تنتظر الأوامر لتعمل، خشنة، متضخمة بعد كثرة العمل" لكنها في النهاية فيها الخير أيضا إن شاء الله.
أيها الأعضاء الكرام أعضاء مجتمعنا الجديد بعد الثورة. إن كثرة الأعضاء الذين لديهم عطاء في المجتمع هو ما يستنهض الأمم ويبني الحضارات، وحبذا لو تحول هذا العطاء من عطاء برؤية الناس من حولنا بمثل هذا الحماس، وهذه الصورة الإيجابية بعد الثورة، وبهذا التأثر والتقليد، حبذا لو تحول إلى عطاء لاإرادي، تتدرب عليه نفس كل عضو وتغرسه كخصلة أصيلة داخلها، فيتغير مجتمعنا، وتبنى حضارتنا، بتغيير توجهنا، فكن أيها العضو إيجابياً معطاءاً، منظماً، غير مبالٍ، غير ساكت عن الحق، مؤمناً بدورك وبوجودك في هذا البناء الذي أنت عضو فيه، وفي هذه الأرض  (أرض مصر) التي تحتاج منا الكثير.
 وأخيراً "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم.
(نشأت النادي – مارس 2011م)