إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 12 يناير 2012

حيازي الانتهازي



أسماه والده بهذا الاسم تيمنا بأرض الحجاز وما تحويه من البقاع المقدسة يراوده رأس ماله ويلح عليه لزيارة تلك الأماكن، وتتقاعس نفسه عن ذلك رغم قدرتها واستطاعتها.
فور عودته إلى الوطن استخرج بطاقة عضويته لينضم إلى الوطنيين فيكون وطنياً ويهجو المحظورين، وبذلك يحمي سبوبته ويربي تجارته، فيما حجازي هائم على وجهه في ملذات الدنيا يتبع سياسة أبيه في الانحياز والانتهاز.
تحوّر حجازي بفعل لكنة رفقاء الدراسة الكويتيين إلى حيازي، فصار حيازي هو الاسم المتعارف المتداول الذي وصم به فكان الوصم متطابقاً اسماً وصفه، فهو يحوز ويتحيز ويستحوذ وينحاز لكل ما يرفع من شأن ماله ويحط من نفسه.
يستقى من أبيه رسملة المعاملات بين الناس تطبيقاً للمثل القائل: "من شابه أباه فما ظلم أمه"، فعقله التجاري ونظامه المحاسبي لا يرى في علاقته بالآخرين إلا الربح والربى، أما مصلحته الشخصية فلا تنكسر أبدا مهما تصدى لها الآخرون.
عندما تهاوى الوطنيون ورفع الحظر عن الجماعة التي سادت وانتشت وتحولت من ضحية إلى بطل، مارس نهاز الفرص حيازي هوايته وانحاز للفئة الرابحة، وعاد إلى أصله قليلا فحجز حجازي مقعده بالترويج لمرشحي الجماعة ومهاجمة الآخرين، وأعلن على الملأ انضمامه للمحظورين سابقاً، مشهراً أسنة براعم لحيته حديثة العهد بالظهور في وجه منافسيه فأنبتت عضواً منتهزاً للمنافسة الحارة في عرس الديمقراطية، بينما بقي رأي الجماعة وأعضاؤها الذين يلفظونه مرجئاً حتى انتهاء المعركة.

هويتنا والعولمة والثورة


الهوية هي السمات المميزة لأمة ما أو مجتمع ما، تتكون من الموروث الثقافي والتاريخي لكل أمة، فتشمل المعتقد واللغة والتاريخ والقيم والأعراف والرموز التي برزت وأثرت في تلك الأمة، ثوابت راسخة لا يمكن زعزعتها لا بالغزو العسكري ولا بالغزو الثقافي الحديث الذي تهب رياحه الغربية منذ عقود.

عولمة تفرض على الشعوب والأمم لتساير الحداثة الغربية تبلورت تلك العولمة نتيجة تراكم كم هائل من تجارب الغزو العسكري (آخره بأفغانستان والعراق) بحجج تحرير الشعوب وفرض الديمقراطية..إلخ، وغزو سياسي يتمثل بالتدخل في شئون الغير والتحيز ضده بقرارات حق النقض (الفيتو) وغيرها من أمور فرض الوصاية عليه.. إلخ، وغزو اقتصادي يتم باتفاقيات مجحفة وإغراق الأسواق أمام سلع أصل مادتها الخام من بلاد تلك الأسواق..إلخ، وغزو اجتماعي يتمثل في أطعمة الوجبات السريعة من (البرجر والهوت دوج) والخروج عن الأطر العائلية في إقامة علاقات غير شرعية بعيدا عن أطر الزواج وتكوين الأسر.. إلخ، وغزو ثقافي يغير من طريقة الملبس والاستماع والمشاهدة للمواد الثقافية وخصوصا في الأجيال الجديدة (فالسوبر مان) هو رجل أبيض غربي وموسيقى الراب هي اختراع غربي أيضا وغازي العالم بأمر إلهي هو رئيس أمريكي ونشر العنف والإباحية وزواج المثليين وظهور الحركات والجماعات كالماسونية وعبدة الشياطين.. إلخ، كلها افتكاسات ظهرت بصورة الحداثة والمواطنة العالمية أطلق عليها حديثا لفظ (العولمة) بعد أن ذاق أصحابها ويلات عصور الظلام وفرض الوصاية الدينية عليهم قرروا بعدها الثورة على تلك الأوضاع وتنحيتها جانبا ليعيشوا حياة فصل الدين عن الدولة.

قد يتأثر بعض المفتونين بهذه الثقافة الحديثة التي تنحي الهوية جانبا، وتصبغ على أصحابها الحداثة الغربية التي تفصل بين معتقد الفرد ونمط حياته، أو بين دينه وعلمه، أو التي تفصل بين النص والعقل وتفرض على الفرد طبيعة عالمية جديدة تجرده من هويته.

ويأتي إفراز هؤلاء المفتونين بهذا الفكر بإحدى طريقتين، أولهما: انبهارهم بسراب مادياته الخادع بينما يظل خواء بنانه وخراب روحانياته بعيدا عن بصائرهم فضلا عن بصيرتهم نتيجة تعايشهم بين أصحاب هذه الثقافة الحديثة لفترة ما، يعودون بعدها لمجتمعاتهم لنشر هذه الثقافة التي غرست فيهم وأثرت بهم، وثانيهما: أن يتم ذلك عن طريق تجنيد بعض الذين باعوا هويتهم مقابل عرض الدنيا الزائل أو بحفنة من عملات العولمة الصعبة التي تتيح لهم معايشة ألوان الحداثة التي تكيفوا معها.

لقد ثار الشعب المصري وغيره من شعوب الربيع العربي ضد الظلم والاستبداد والجهل والاستعباد، ثار ضد الفساد والتسفيه، وليس ضد هويته وقيمه وتاريخه أو لغته أو معتقده، لذلك فقد وجه رسالة صريحة لكل من يريد العبث بهويته ولكل من يريد أن يمزج الثورة ببعض ألوان هذه الأنماط المستغربة التي لا تتماشى مع هويته وفطرته.

لقد اختار الشعب هويته بعد الثورة وراهن عليها لأنها آخر ما يملك، فهي ملجأه الذي آوى إليه في خضم عواصف وأعاصير الحداثة الغربية، وهي الحصن الأخير الذي لجأ إليه بعد أن طحنه حكامه الذين انصاعوا للإملاءات الامبريالية، وأطاعوا الهوى الغربي الذي سمم جسد الأمة ولا يزال، فانقلبت هذه الشعوب على كل تلك المظاهر التي حاولت أنظمتها البائدة ومن ورائها قوى الظلام الامبريالية غرسها فيها، فهل يقبلنا الغرب بهويتنا؟ بلغتنا؟ بمعتقدنا؟ بتاريخنا؟ لماذا لا يريد إلا الديمقراطية التي تتناسب مع أهدافه وسيطرته ونفوذه؟ لماذا لا يرضى عنا إلا إذا اتبعنا سبيله ونهجه؟.

إنها صحوة اليقين التي منحها الله لعباده الصابرين ليمكن لهم ويبدل ذلهم عزا وخوفهم أمنا، فهل يمنحنا بنو جلدتنا المشاركون في صناعة الثورة والذين لم يحالفهم التوفيق في تمثيل الأمة فرصة التجربة الديمقراطية الوليدة، ويحافظوا على الخيط الرفيع والشعرة القاطنة مابين الثورة البناءة والفوضى الخلاقة، نتمنى ذلك.