إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 27 فبراير 2011

استنتاجات ومكاسب ومخاسر المشهد

في ظل هذه الأيام العصيبة التي تعصف بنا، وفي تحليل للموقف من وجهة نظر قارئة للأحداث ربما تكون صحيحة، وربما تكون خاطئة، وربما تحوي بعض النقاط التي يمكن أن تكون محل نقاش. نجد أنفسنا الآن أمام صدمة تعيشها مصر نتيجة تراكم أخطاء كثيرة، فمنذ ثلاثة عقود أخفق النظام خلالها في استثمار مرحلة استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي بعد الخروج من عدة حروب، كانت أدعى بنقل المجتمع المصري باقتصاد مهترئ ووضع اجتماعي سيء في فترة الحروب، من مصاف الدول المعتمدة على اقتصاد الحروب وربط الأحزمة على بطون الشعوب، إلى مصاف الدول المعتمدة على ذاتها باقتصاد قوي، وكانت يمكن أن تصنف من الدول التي يحسب لها حساب وتقدر بقدرها في المنطقة.
 فسيناء المحررة لم تمسها يد التعمير إلا النذر اليسير من المنشآت السياحية، التي تعتمد على وضع متذبذب وحساس لوقوعنا في منطقة ساخنة، وضع الغرب كل خبثه فيها اختراقاً للأمة الإسلامية، وأهملت مشروعات استصلاح وتنمية داخل سيناء كانت أدعى بإنشاء مجتمع جديد يغير طبوغرافيا منطقة طالما بقيت طوال عمرها منطقة صراعات وبوابة الأمة الحصينة من جهة الشرق، أما في الصحراء الغربية فالوضع أسوء، فمشروع توشكى الذي صرف عليه المليارات لم يؤتي أكله ولم يوظف لخدمة الدولة وشعبها، وجاءت برامج الخصخصة لتقضي على ما تبقى من ممتلكات تديرها الدولة، فحكومة عاطف عبيد تخلصت من الكثير من الممتلكات العامة بأبخث الأثمان، ثم جاء عهد جديد تولى فيه نجل الرئيس مسئولية تشكيل السياسات داخل الحزب الحاكم، ودار صراع مقيت بين حرسه الجديد وبين حرس قديم طالما أمسك بزمام الأمور، وكانت نتيجة الصراع تحالف نخبة من المتآمرين وأصحاب المصالح الخاصة والمتسلقين ضد مصالح وطموح الشعب، فتراجع قطاع الزراعة وزادت معدلات الفساد وازداد نفوذ المحتكرين ورجال الأعمال الفاسدين بعد تزاوج السلطة بالثروة، وبعد الكثير من المطالبات بتوضيح موقف النظام من التوريث وتوضيح موقف النظام من ترشيح الرئيس بعد عمر الثمانين عاماً، فاجأ النظام الشعب بتعديل دستوري في عام 2007م، كان يمثل بداية الحنق والغضب الشعبي، بعد عدم سماع نداءاته، ثم اختتم النظام المرحلة الملتهبة بانتخابات مزورة على أيدي رجالات حزب أكدوا مراراً أنه وطني (أي محسوب على الوطن) وعلى استحياء أنه ديمقراطي (ديمقراطية مستعينة بقوات الأمن والبلطجية).
بعد فوات الأوان وفي الوقت الضائع، فاجأنا الشعب التونسي بما لم نتوقع حدوثه، فألهب مشاعر شباب وجدوا أنفسهم منذ ولادتهم في حكم هذا النظام، ووجدوا أنفسهم في وضع يتدنى من سيء إلى أسوء. فكان وقود التحرك هو استهزاء واستهتار النظام بهؤلاء الشباب الذين حركوا جوارح الشعب، وملئوا في عروق جسده الهامد الدم المتدفق الدافئ، بعدما ضخ فؤادهم النابض روح الأمل في هذا الشعب المعدم.
النظام كعادته يهمس لنفسه بأنها زوبعة فنجان وستعبر كما في السابق، لكن النظام يريد والغرب يريد والله يفعل ما يريد، فالضغط على الجرح الملتهب والمحتقن بالصديد فجره من شدة الألم، فكان تصميم وإرادة الشباب ومن ورائه الشعب بكل أطيافه هو محرك هذه الثورة، التي جاءت لتنهي ملفات معلقة عديدة كملف التوريث وملف البقاء ما دام هناك قلب ينبض لهذا النظام.
استنتاجات الثورة تثبت الآن أن الجمع بين منصبي القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الحزب الحاكم جعلت من الحزب الحاكم الواجهة المدنية للجيش التي تستمد منه قوتها ونفوذها، واستغل نجل الرئيس وبعض المنتفعين هذا الوضع ليخطوا بالبلد نحو المجهول، فضرب الفساد أركان الدولة وعم البطش والتنكيل بالناس ربوعها، فأدار الشعب ظهره للنظام وأصبحت اللامبالاة عادته وعدم الاهتمام أو الاكتراث بما يقال على لسان النظام ديدنه، واقفل أذنا بطين والأخرى بعجين فأصابه الصمم الذي لحق بالخرس الذي أصيب به من قبل، وبدء كل فرد يبحث عن أي جزء من بلده يجده ملقى مما تبقى من فتات الضواري، والعجيب أن معظم الناس استحلت كل شيء بهدف الحصول على ما يكفي معيشتهم وأولادهم حتى بعض المتدينين، فسادت في المجتمع عادات وطباع جديدة لم يعهدها من قبل من استحلال الحرام وتلاشي الوازع الديني وكثرة الجرائم المتعلقة بالأحوال المعيشية الصعبة، وتوحش الناس في معاملاتهم المادية، وفقد هيبة الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها المؤسستان الدينية والتعليمية.
إن المجتمع المصري وصل إلى حافة الهاوية قبل الثورة وصل إلى قمة التدني الصحي والتعليمي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي نتيجة ما فرضه عليه النظام السابق من أوضاع غاية في الصعوبة، ولولا أنه مجتمع محافظ ومؤمن وله مواصفات خاصة به لانهار هذا المجتمع وذهب في طريق اللاعودة.
إن قدر الله نافذ ومشيئته قادرة على تبديل الأحوال، ورحمته بمصر وأهلها هي التي أوصلتنا إلى هذه الصبغة الجديدة التي نتمنى أن تتحسن سريعا بعد أحداث 25 يناير صبغة يعود بها المجتمع المصري إلى حقب مجده وعلمه وعافيته وحضارته وتاريخه ليعيد لمصر مكانتها وعز هويتها في المنطقة والعالم.
الخسائر:
رغم أن الوضع الحالي سيء إلا أنه لن يكون أسوء من ذي قبل، ولن نخسر أكثر مما كنا نخسره قبل الثورة من هدر للأموال والأراضي والثروات التي أنعم الله بها علينا، فيكفينا استرداد الأصول التي تداولها شياطين الإنس من أراضي وعقارات ومصانع وآليات خصصت لتصدير ثروات وخيرات البلاد إلى خارجها، واستفادة قلة قليلة من تلك الثروة. كما أن الاعتماد على اقتصاد خدمي يقوم على قطاعات غير مضمونة مثل المضاربة في البورصة والخدمات السياحية بينت مدى هشاشة الوضع الاقتصادي الذي يعتمد على تلك النوع من الدخل للدولة، وهي ضارة نافعة بحول الله فاتجاه الشباب الذين يعملون في هذه القطاعات إلى أعمال أخرى كالزراعة والصناعة في مشروعات قومية أو مشروعات فردية هو أفضل بكثير على المدى البعيد من العمل في تلك القطاعات التي وإن رجعت لا ينبغي التعويل عليها كثيراً، ويجب البدء في عمل مشروعات زراعية صناعية داخلية تحقق الاكتفاء الذاتي من معظم احتياجات المجتمع. إذاً فالمخاسر هي توقف عجلة الإنتاج في معظم مصانع القطاع العام وخصوصا في القاهرة الكبرى ومدن صناعية مثل الإسكندرية والمحلة والسويس أثناء الأحداث، كذلك توقف حركة السياحة وتحويلات المصريين بالخارج أثناء أحداث الثورة، وكلها مخاسر هينة في سبيل النهوض بالبلد إلى هذا الوضع الجديد، أما الخسائر الكبرى التي لا تعوض بمال فهو فقدان خمسمائة شاب وإصابة آلاف من شباب الوطن الذين كانوا وقود هذا التغير نسأل الله أن يرحمهم.
المكاسب:
إن قدر الله لنا المضي في طريق صحيح، وتم ما ينبغي من إصلاح، ولم تحدث انتكاسات للثورة، وتم القضاء على كل خفافيش الحزب الوطني، وكل خفافيش جهاز الشرطة وأمن الدولة السابقين، وتم تقليم أظافر النظام السابق نهائيا من البلطجية والمتعاونين والمستفيدين منه، ولم تحدث ثورة مضادة أو إبقاء وضع بيئة الفساد وتربته كما كانت من قبل، فإن المكاسب ستكون كثيرة وعظيمة أولها، عودة الروح العظيمة للشعب المصري روح العزة والكرامة والتعاون بين الناس، روح النكتة السياسية التي فقدت قبل الثورة بسنوات وخفة ظل الشعب المصري، روح المشروع القومي والهدف القومي الواحد، روح النضال وقيادة الأمة لما فيه تقدمها ووحدتها، والتغيير الذي حدث في مصر سيتبعه تلقائياً تغيير على مستوى المنطقة كلها يصب في صالح وضع مصر الجديد بالطبع، كما أن تطهير البيئة الداخلية من الفساد والمفسدين سيخدم الشعب المصري واقتصادها ومواردها على المدى القصير والبعيد، كما أن الرجوع إلى إنشاء وتنفيذ المشروعات القومية ذات القوة الداعمة للاقتصاد سيطور وينمى الاقتصاد وموارده ويزيد الدخل القومي المصري على المدى البعيد، إضافة إلى عدم الاعتماد على الاقتصاد الخدمي ذات الدخل المتذبذب المعتمد على المقامرة للأوضاع الداخلية والخارجية.
كل ذلك يتم في وضع سياسي جديد يتم فيه وضع آليات جديدة لإدارة الدولة، تساعد على محاسبة المقصرين والمفسدين، وتمنع انجذاب الشللية وأصحاب النفوذ المالي نحو أصحاب النفوذ السياسي، وضع سياسي ينهي زمن الرئيس الذي يحكم حتى الموت وينهي زمن الرجل الواحد، والحزب الواحد، والنادي الواحد، والمدير الواحد. وضع سياسي صحي يحكم فيه الشعب ويقرر مصيره بيده كل أربعة سنوات. مأ  ععهعهعهتعهتلل
المكاسب كثيرة ولا حصر لها عندما نتوحد سويا في سبيل إقصاء الذين يريدون انتكاس هبة هذا الشعب، سواء أكانوا في الداخل أم كانوا في الخارج، والأيام القادمة وضعها دقيق وشديد الحساسية إن قدر الله لنا الخروج منها بسلام (نسأل الله ذلك) سننطلق بدولتنا نحو آفاق جديدة.