إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 23 ديسمبر 2010

الكتف القانوني في ملاعب الساسة



نرى في ملاعب كرة القدم اللاعب قوي البنية عريض المنكبين مفتول عضلات الذراعين واسع الصدر (مشرأب الفلنكات شلولخ)، إلى آخر الصفات التي تمنحه جسدا قويا قادرا على المواجهة. وربما تكون أحلامه أحلام العصافير، نراه يتباهى بها في مواجهه هزيلي البنية من اللاعبين الآخرين الذين ينظر إليهم من عل قبل التباري. هذه الصفات تمكنه وتأهله إلى أن يكون صلبا متمترسا في منطقته التي يدافع عنها بكل جسارة. وقد يكون وصل إلى تلك المكان في الملعب، والمكانة داخل ناديه بكثير من القرابين والقربات، التي قدمها من أجل التواجد في تلك المكان الذي يتعامل فيه بمنطق قانون القوة. أما قانون اللعبة فلا يفقه منه إلا ما قد يتوافق مع مؤهلاته. فتجده يعلم جيدا تفاصيل بند الكتف القانوني بحذافيرها فهو لا يطبق من القانون إلا ما شابه هذا البند الذي يتفق مع سماته.
فعندما يقابل هذا اللاعب خصما ذكيا ذو لياقة وطموح، تتعدى مهاراته كل مؤهلات القوة البدنية التي لا تسعفه مع هذا الخصم الماهر (حتى ولو بدى هزيلا ضعيف البنيان في نظره)، وعندما لا تفلح كل محاولاته لإيقاف خصمه، تجده يتعامل معه بالمنطق الذي استغل فيه ثغرات القانون من أجله، فيبدأ بالتعامل مع الخصم بأسلوب الكتف القانوني.
الكتف القانوني يا ساده هو منطق القوة الذي لا يستطيع القانون أن يوقفه أو يحد من صلاحياته فهو مصرح به لمن يمتلكون القوة فقط .لذا يقوم لاعبنا القوي في هذا المشهد بوخز خصمه كتفا (يطلق عليه مجازاً قانونياً). يرميه به خارج الملعب. بل يجعله غير صالح للعب مرة أخرى، بعد أن يظهر على وجهه وملابسة اللون الأخضر نتيجة الاحتكاك الشديد بأرض المعركة (أقصد أرض الملعب). وبعدها يرى آثار الضربة الحكم واللاعبين والجمهور بامتعاض شديد وتعجب دون النبس ببنت شفة أحدهم. لماذا؟ إنه القانون يا سادة. هل يستطيع أحد مواجهة هذا القانون أو تغييره للأسف لا؟ هل يغير الأغلبية ما وضعه الأقلية؟ للأسف لا. هذا هو الكتف القانوني.
اللاعبين السياسيين يستخدمون هذا المنطق مثلما استخدمه أخينا لاعب الكتف القانوني، فمعظمهم يدخلون الملعب السياسي دون مؤهلات لتصحيح قوانين تلك الملعب. بل لا يحفظون من القانون إلا ما يتوافق مع منطقهم وأهوائهم. وصفات القوة لديهم ليست ذاتية كصفات لاعب الكتف القانوني، فالأخير وهبه الله تلك القوة فعمل على توظيفها بما يتوافق ومجال عمله، أما هم فقوتهم ممنوحة من غيرهم، وهي ملحقه بما اكتسبوه من امتيازات المنصب فقوة اللاعب السياسي تقاس بعدد الحراس الشخصيين، وبكم الأسلحة المرخصة، وعدد كلاب الحراسة (أعزكم الله) في قصره، وعدد رجال حاشيته التي تهتف له وتزود عنه تأوهات أصحاب الحقوق (الهزيلين).
اللاعبون السياسيون يستغلون الكتف القانوني السياسي بما يتوافق مع مصالحهم، ويستعملونه ضد من هو أمهر منهم سياسياً، ولديه من المقومات ما يجعله يسحب البساط السياسي الأحمر من تحت أقدامهم. وهنا يتفتق الحلم من أدمغة العصافير لتحرك آلة أجسادهم القوية، مستعينة بصلاحيات وامتيازات التسليح الإضافي لمواجهة الخصم، الذي ظن يوماً أنه ماهر لتردعه وترهبه. بل تجعله ينسحب من الملعب نهائيا.
أمثلة الكتف القانوني في حياتنا كثيرة فالطوارئ كتف قانوني من الحكومة تضرب به الشعب كل عامين وعندما يتهيأ الشعب لنزول الملعب مرة أخرى تضربه مرة أخرى فيجد نفسه خارج الملعب لعامين آخرين (قانون الطوارئ)، بيع أراضي الدولة لما يطلق عليهم مستثمرين ورجال أعمال كتف قانوني (قانون الاستثمار)، استغلال النواب امتياز العلاج على نفقة الدول كتف قانوني (قانون العلاج على نفقة الدولة)، تمرير القوانين رغم الاحتجاجات والملاحظات عليها كتف قانوني (من الحزب الوطني إلى الأغلبية الصامتة). رفع الحصانة عن عضو مجلس الشعب يوم الجمعة ومحاكمته كتف قانوني (ضد الساسة من الخصوم). الأكتاف القانونية لدينا أصبحت كثيرة ومتشعبة. فهل نجد يوماً من يصحح القوانين ويسد ثغراتها ويمحو عوارها. حتى لا نجد كل يوم كتفا قانونيا نضرب به ونقذف به خارج الملعب.
(نشأت النادي27/يونيو 2010م)