إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 18 أغسطس 2011

الخلايا المنومة

الخلايا المنومة
امتطى ظهر المنضدة القابعة أسفل الكشاف الضخم بغرفة العمليات الجراحية، تهزه ضربات قلبه رهبا من الموقف، فهي المرة الأولى التي ينوم فيها لاستئصال بعض خلاياه، لا يدري إن كانت تلك الخلايا قد تمردت على جسده أم أصاب نواتها الشره فنمت أزيد من الحد الطبيعي ، أم أنها أصيبت بالخرف الجيني، أو الارتباك الهرموني.
بابتسامة مصطنعة يسأله طبيب التخدير عن حاله فيبادله الابتسامة دون اصطناع مومئاً إليه برأسه أن ابدأ عملك سيدي.
يحقنه طبيب التخدير عقاراً فيخدر الجزء الأسفل من جسده مبقيا على نصفه الأعلى يقظا ثم يقيم ستارا بين صدره وبطنه وكأنه أمد الحجاب الحاجز لأعلى فلا يرى ما يفعل بأسفله.فيما الجراح يعقم يديه اللتان ستغوصان داخل أحشاء ذلك الجسد أثناء عملية الاستئصال.
 من نافذة ذكرياته ينظر صاحب نصف الجسد المخدر لتلك الأيام التي كان يسهر فيها على تلبية احتياجات ابنه مع هذا الجراح الشاب أثناء خوضهما شهادة الثانوية العامة وأثناء الدراسة بكلية الطب التي جمعتهما.
في اللحظات الأخيرة يدرك الرجل أنه لم يأتي لهذا المكان ولم يوضع في هذا الموضع اقتناعا منه بعملية الاستئصال وإنما مجيئه ورضوخه بين يدي هذا الجراح ما هو إلا حنينا وانجذابا خلف مشاعر تعصره بين الفينة والأخرى، فملامح ولده الذي وافته المنيه يراها في وجه زميله، ورائحته يشمها كلما اقترب منه، وعبق الزمن الماضي يلازم هذا الجراح كلما غدا أو راح.
اكتشف الرجل أخيرا أن تلك الخلايا التي أكنت كثيرا من الحب لهذا الجراح لم يكن داؤها ذاتياً، بل ربما تمارضت لتظل ملازمة لمن أحبت بينما هو من أجهز عليها بمشرطه يجزها جزا.
 تداركا للموقف وندما على إذعانه لعاطفته، هم لتحريك قدميه المنومتين فإذا هما كالجبلين، حاول أن يتعتع تلك الكتل التي أصبحت ضحية مشاعره المرهفة لكن دون جدوى، تصارعت ضربات قلبه تمنت لو أنها توقظ تلك الخلايا لتنسحب بهدوء من أمام من أحبت دون المزيد من إراقة الدماء.   
     

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق