إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 26 ديسمبر 2010

رابطة الحياة




رابطة الحياة
في مقولة عن المرأة  لفتت انتباهي، وحركت داخلي الشعور بالحيرة لما ذكر عنها في السابق على السنة الجهلاء، وامتزجت تلك الحيرة بالامتنان لله بأن خلق للذكر أنثى من نفسه، يتغشاها وتحتويه، يداعبها وتحنو عليه، يآلفها ويعلمها، وتكتسب منه أجمل ما فيه، تحمل منه جزءا في رحمها فتنجب للعالم ذراريه، تخرج منها حياة صغيرة تسهر عليها حتى تصير للحياة حياة، تدنو من فلذتها فتعطيه دفئا وحناناً، ومن بين فرس ودم لبنا خالصا صائغاً تعطيه، تغرس وتزرع قيما، وتربي وتعلم حتى يكون للعالم عالم وأديب، معلم وطبيب، شاعر وقاضي، وداعية بالاطمئنان يرويك، فيكون لهما خلفاء في الأرض لتبنى وتعمر، وتنشأ شعوبا وقبائل بالخير فيما بينها تتعرف، لتتحقق سنة الله في الأرض بفضله علينا ومنه لنا بخلق تلك الأنثى.
المقولة ذكرها الأديب النجيب الراحل / نجيب محفوظ، كخاطرة من بين آلاف الخواطر التي  فاض بها نبعه، متحدثا بكلمات في العدد قليلة ولكنها بالمعنى ثقيلة، قائلا: "المرأة هي أهم رابطة تربطنا بالحياة". فبحثت عما يجعل مثل هذا الفم النابه يتفوه بتلك العبارة، ويفيض بتلك الكلمات البسيطة الرقيقة، وعصرت القلب فكرا، وقتلت العقل بحثا، فوجدت عجبا وراء خلفية تلك المقولة الرائعة، التي اتخذتها مادة خام تشع منها الفِكَر لتلك الكلمات، التي سأسطرها لاحقا.
 ورجعت إلى الخلف منذ بدأ الخلق لأرى مدى تطبيق الخاطرة منذ البداية حتى النهاية، ومدى إصابة الأديب فوجدت ما يستحق الإشادة:
فلقد خلق الله المرأة من نفس الرجل فخرجت منه، ولم يجعلها خلقا منفصلا عنه، وهذا أول لغز عن المرأة، فخرجت أم البشرية من ضلع أبوها، لتكون بعد ذلك هي رابطة الحياة، وسببا في تدراك النسل لتلك الحياة. وبفتنتها اقتطع جزء من الحياة، فبسببها انقطع نسل سدس البشرية في أولى مراحلها، وكانت هذه علامة وآية لنا على أن لها فتنة يجب ألا نقع فيها فخلق الله الجمال فيها لترغيبنا فيها رغباً مشروعا، وعدم قربنا منها وهي لا تحل لنا رهباً متبوعا حتى لا نفتن بما ليس لنا فيه حق.
 بسببها عُمّر وادٍ غير ذي زرعٍ عند بيت الله المحرم، فقامت أمم توحد وتعبد، وتعارفت شعوبا وقبائل، واجتمعت على الخير والعدل، في خير بقاع الأرض، فكان خير نسل من خير أب فشهدت الأرض الأنبياء وأبوهم لتبليغ رسالات الله في الخلق، وحثهم على عبادة خالقهم ورازقهم الذي جعلهم من ذكر وأنثى في كل ركن.
 ومن أجل إضحاكها بفرح النسل بعد العجز والعقم نزلت ملائكة البشرى، فكان نسل آخر من الأنبياء لعمارة جزء آخر من الأرض وبذلك فاكتمل العِقد. وبسبب الصد عن العلاقة الشرعية معها قامت تلك الملائكة بأمر ربها بإهلاك قوم تقوده عجوز  غابر فجعلت عاليهم سافلهم وتركت لنا آية البعد عن علاقة الذكر بالأنثى بشكلها الذي فطر الله الناس عليها. وهذه سنة الله في الأرض ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا مهما بغى وتكبر أهل الأرض.
بصبرها على البلاء مع زوجها الذي نادى ربه بأرحم الراحمين، فكشف عنه الضر الذي مسه، وآتاه الله أهله ومثلهم معهم رحمة منه، وجزاءا له ولزوجه على البلاء بالصبر.
وبتوحيدها لربها وعدم الشرك بعبادة زوجها من دون الله، بنى الله لها بيتا في الجنة ونجاها مما كان يعمل زوجها ونجاها من قومه الظالمين.
 بكيدها دخل يوسف سجنه وبرجوعها لرشدها واعترافها بخطئها حصص الله الحق وبرئ من لم يخن بالغيب.
بحكمها قامت الإمبراطوريات فكانت لنا في سبأ آية، وبرشدها ومشورتها لقومها أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
بوحي الله إليها ألقت فلذة كبدها في اليم بعد الخوف عليه، وتقصه أخته ليكون لمن عادى الله عدواً وحزناً، ولم تقر عينها ولم تعرف السعادة إلا بعودته إليها.
من أجل مهرها قضى كليم الله عشر حجج في أهل مدين، ومن أجل أن يؤتى إليها بشهاب قبس كلم نبي الله موسى ربه بالوادي المقدس.
من أجل أن يجعل الله لنا في خلقه آية، أنبتها ربها نباتاً حسناً، وبشرها بغلام من دون أن يمسسها بشر ، ونفخ فيها من روحه وجعلها وابنها آية للعالمين وبراها الله بقرآن يتلى وذكرها من دون نساء العالمين باسمها، وخصها بسورة في القرآن تسمى باسمها إلى يوم الدين (إنها المبرأة الأولى المطهرة والمصطفاة على نساء العالمين).
لتُبعث رسالة خير العالمين وتنُشر في الأرض، جعلها الله سندا لزوجها وخير معين له، فسلمت له تجارتها وتزوجته، فكانت أول من آمن به وأول من نصره وهون عليه. وفي عام موتها سماه عام الحزن لوفائه لها وحزنه على فراقها.
ليعلمنا الله أمور ديننا في قضايا الزنا والقذف واللعان، وليميز الله الخبيث من الطيب ويمحص المؤمنين، ثم يعظهم ألا يعودوا لمثله، جاءت حادثة الإفك لأمنا زوجة حبيبنا ونبينا (المبرأة الثانية من فوق سبع سماوات) بقرآن يتلى إلى يوم الدين.
وكثير من الأمثلة للنساء اللاتي لم يذكرن في قرآن ربنا، كن أيضا خير سند وخير معين لأزواجهن، وكان لهن كثير من الأثر في عمارة الأرض، التي تدور حول محور يسمى (الأنثى).
كل هذا الحراك وكل تلك المواقف كان محوره المرأة التي شاركت وساندت وعمرت ونسلت الذراري بخيرها وشرها بأبيضها وأسودها بمؤمنيها وكفارها وجهلائها الذين وصموها بالروح الشريرة تارة وبالشيطان تارة أخرى، والذين عقدوا فيها المؤتمرات بحثاً عن كنهها إن كانت بشراً أم لا، والذين امتهنوا قدرها وحطوا من شأنها وحقروها واستعبدوها وباعوها جارية في الأسواق. حتى جاءها من يرفع قدرها ويعلي شانها ويؤتيها حقها وأجرها، فكرمها الإسلام خير تكريم فكانت سورة النساء، تعدل مواريثهن، وتشرع حقوقهن بقوانين ربانية، وينزل الله فيهن آيات محكمات، فيقول تبارك وتعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
ويقول سبحانه:
"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ" ( 195 ) .
ويقول عز من قائل:
 ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الأحزاب : آية 35
هل يوجد مساواة أكثر من ذلك؟، هل يوجد تكريم أكثر من هذا؟،  نعم يوجد!. فلقد قدمهن الله على الرجال في بعض المواقف فهن من يحتوين الرجال فيقول تبارك وتعالى:
( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة : 187) فقدم (هن) على (أنتم) لأن المرأة لباس الرجل ومحتواه. فهي سكنه ودرته وجوهرته المكنونة، تهون عليه مشقة الحياة، ريثما ينتهي تعب كده خارج سكنه، فهي سكنه الذي يأتيه للراحة، فجعلها الله سكناً للرجل وجعل المودة والرحمة هي عنوان الحياة الزوجية فقال تعالى في محكم تنزيله: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.
وصفها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بوصف بليغ فقال: "رفقاً بالقوارير" والقوارير لا تتحمل العنف والقسوة ، وإن حصل ذلك فإنها تتحطم، وبعض القوارير إذا تحطمت أصدرت صوتا ًخفيفا ً، وبعضها الآخر تتحطم بصمت وهذا مؤلم ، ونوع يتحطم بألم فتصدر إزعاجا ً لا مثيل له ، فإذا تحطمت لا تصلح للاستخدام ، فهي لا تتجمع وتتلاحم بل تبقى مبعثرة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ، و إن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً ".
وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم وصى المؤمنين بالنساء فقال: ( أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرا ).
هذه هي المرأة عندنا في الإسلام هذا هو قدرها في ديننا هذا هو مقامها بيننا، فهي كما قال أديبنا أهم رابطة تربطنا بالحياة فهي تنسل الذرية وتربيها وتكون مدرسة للقوم، تقوّم وتهذب وتربي وتعلم، فالأنثى هي النبتة الطراحة، لأنها الأم التي تجلب الأبناء للمجتمع، إنها الزوجة التي تجلب الذرية للزوج، إنها الأخت التي تجلب الأنساب للأخ والأصهار للأب، ، إنها البنت التي تجلب الأحفاد للأب وأبناء الأخت للخال، إنها الرابطة التي يريد أعداؤنا تمزيقها، وإفسادها، وتعريتها، وخروجها، من مكمنها لتفسد الذرية، وتحيد عن طريق الحق، كما حادت ذريتهم.
فهل نفرط في رابطة حياتنا، أو ندعها تنقطع عنا بأفعال ما أنزل الله بها من سلطان تخالف سنة الله في الأرض وتزيد من الفتن والشهوات، فتضيع أجيالنا القادمة في متاهات المستقبل، كما تهات ذرية أعدائنا في متاهات التاريخ من قبل. وستستمر من بعد فالأنثى عندهم مهانة مغتصبة مذمومة مخذولة بسبب تعريتها واستخدامها للتمتع فقط كيف لا وقد قال الله فيهم يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم. حادوا عن فطرة الله وسنته في الأرض فصاروا كمن استهوته الشياطين في الأرض حيران. ونحن لا عزة لنا إلا بالإسلام. لذلك استمسك أخي القارئ برابطة حياتك وقل:  "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" لعل الله يجعل من زوجك وذريتك ما تقر به عينك ويكونوا من الصالحين، وعاملها وعاشرها بالمعروف لعل الله يوعدك الحسنى في الدنيا والآخرة.
(هذا المقال إهداء للزوجة الصالحة عامة ولزوجتي الصالحة "أم نور" خاصة)
نشأت النادي