إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 10 يناير 2011

ثقافة الزحمة


لا شك أن العشوائية هي عنوان ثقافة الزحمة الرئيسي، الذي ينطوي تحته كثير من المواقف والمشاهد السائدة في عصر الزحمة هذه الأيام.
فالمشاهد للأحداث يستطيع سرد وضع ثقافة الزحمة المسيطر على جميع نواحي الحياة، فنجد (طابور العيش) الذي يصطف فيه المتصارعين من أجل أرغفة معدودات، تجدهم يصطفون في تربص حتى إذا جاءت الهوجة، رأيت الذين يظنون في أنفسهم القوة والفهلوة على رؤوس العباد، يطلون برؤوسهم داخل نافذة التوزيع، فيجد القائم على عملية التوزيع نفسه وجهاً لوجه أمامهم ولن يجد بدا في إعطائهم حصتهم وإلا لاقى ما لا يسره.
ينطبق هذا الوضع على طابور توزيع اسطوانات الغاز أثناء الأزمة الشتوية وكذلك في السينما في أوج تألق أحد النجوم، أو صفوف توزيع التذاكر لأحد المباريات الرياضية المهمة، وكذلك إشارات المرور المزدحمة التي يصدر عنها جميع الألوان دون تحرك الكتل الحديدة في نهر الطريق، وتبقى ملاغاة جندي المرور والسطو عليه بنوع السيارة وقوة آلة التنبه هي سيدة الموقف، الأمر الذي يجعله غارقا في دوامة العشوائية التي تسيطر عليه وعلى الميدان كله، وتظل العشوائية هي سيدة الموقف لطوابير الخبز واسطوانات الغاز وغيرها، كما أن ثقافة التربص بالخصم وعدم الثقة تسيطر على المصطفين، مما يجعلهم متشبثين بأماكنهم طوال الوقت، يتحملون اختناق الغازات النافذة الخارجة عن طريق العرق الصادر من أجسادهم، كما يتحملون أيضا حرارة الشمس وعدم وجود المسافات المناسبة للكتل والأحوزة التي تنص عليها قوانين الفيزياء، ليبقى لكل شخص قبوله وخصوصيته مع الآخرين.
عندما تبحث عن الشيء المفقود لتلك الظواهر ستجده يتلخص في شيء واحد ألا وهو (السيستم)، فلو أن هناك (سيستم) يحكم المسالة لوجدت احتراما لآدمية البشر، وتوفيرا للوقت والجهد، والفرق بين العشوائية والتخطيط أو التنظيم ضئيل جداً، فتوزيع رقم على المصطفين كما يحدث في كل دول العالم (السيستمية) شيء سهل جدا وبسيط، وكل مواطن يحصل على رقم ينظم دخوله للمنفذ، ويستطيع من خلال الرقم تقدير الوقت المتاح أمامه، فيستثمره في قضاء شيء آخر أو إجراء عمليه أخرى إذا كان طويل، كذلك يستطيع توفير جهد التنافس للوصول إلى المنفذ المرغوب،  علاوة على الحالة النفسية المطمئنة له ولغيره فيتم تداول الابتسامات والسلامات بداعي وبدون داعي.
الدول (السيستمية) التي تراعي استثمار الوقت جيدا تقترح على العملاء قراءة كتيب معين أو استثمار الوقت في عمل الكتروني أو حتى تدعو وتذكر الإخوة الذين يريدون الحصول على الخدمات إلى أن هناك أشياء مفيدة يمكن قضاء وقت الانتظار فيقول احدهم لك في أحد البروشورات المعلقة (اجعل دقائق الانتظار مليئة بالاستغفار للواحد القهار) أو يقول لك غيره (استثمر وقت الانتظار بمكالمة أحد أقاربك أو أصدقاءك فقد يكون بحاجة لسماع صوتك) فهذا نوع من أنواع التوعية باستثمار الوقت والعمل النافع لما يرضي ربك وغيرك من إخوانك المواطنين، وحتى ذاتك تكون في أعلى درجات الرضا والاطمئنان.
ثقافة الزحمة تسود لأننا الذين زاحمنا أنفسنا وتربصنا يبعضنا البعض، وزادت أزمة الثقة فيما بيننا لتغلل العشوائية وتسيد الفهلوة ونمو قانون القوة وتضاءل قوة القانون، فهل نعود؟