إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 10 يناير 2011

وجه من الحياة لا تعيشه

وجه من الحياة لم تعشه
هل جربت حياة أصحاب مهن خطرة، هل غطست مئات الأمتار في قاع المحيطات في غواصة عسكرية، أو طرت آلاف الأميال خارج الغلاف الجوي في سفينة فضائية هل جربت يوما أن تصبح رئيس جمهورية هل عشت حياة العصور السابقة المليئة بالمخاطر، هل تخيلت نفسك تعيش في فيلم خيال علمي بعد مائة عام.
كثيرة هي أوجه الحياة الباهرة التي نراها من بعيد ولا نعرف تفاصيلها، يساورنا فيها شغف التجربة وفضول المعرفة لتلك الأوضاع التي لم نعيشها ولا نعرف كنهها. كما يأتي عدم التمني والفرار من كل الأوجه التي تنفر النفس وتعكر صفوها وتحرمها من حريتها واطمئنان العيش بها، وما بين تمنى خوض غمار العيش في وجه من تلك الأوجه التي يبهرنا بريقها، وبين الهروب من كدر وقتامة وجه من تلك الأوجه التي يفزعنا مشاهدتها، تجد الرائي منا لهذا الوجه أو تلك مابين خوف ورجاء، كر وفر، تنافر وانجذاب كل حسب الوجه الذي يراه. الأوجه القاتمة في الحياة كثيرة فالاحتلال وجه منها، هل جربت العيش فيه؟ هل تعاملت مع متغطرس محتل؟ هل سألت نفسك كيف يكون وضعك وبلدك محتل؟، السجن وجه من أوجه الحياة، فيه سلب للحرية ومضيقة للنفس وتحكم وجمود للحياة، هل عشت هذا الوجه؟ هل جربت عيشة القبائل في الأدغال والمستنقعات؟ هل جربت عيشة البدو في الصحراء؟ هل افترشت الأرض يوما والتحفت السماء غطاء، هل خضت حرباً ضروس وقابلت عدواً وجهاً لوجه؟ هل آلمك الجوع، هل فقدت ابناً غالياً أو تعرضت لإعاقة تمنعك من ممارسة حياتك بشكل سوي، كثيرة هي أوجه الحياة القاتمة.
 وهناك كثير من أوجه الحياة الشيقة المبهرة، فالتمتع بأجمل مناظر العالم في أحد المنتجعات، وتسخير وسائل الرفاهية من طائرة خاصة أو سيارة فارهة ومن خدم وزينة مشهد موجود، والقصور والجنات الساحرة والجزر الدافئة كلها أوجه من العيش لم يعيشه معظم البشر، هل أمرت فأطعت؟ هل أشرت بإشارة فارتهن كل من حولك لها؟هل أنت قائد سخر الله لك مرؤوسين تحت أمرك؟ أو أنت مدير سخر الله لك موظفين يسعون لتنفيذ أوامرك؟.
ما بين الرضا بالحال وبين مطالعة أحوال الذين يعيشون في وجه من أوجه الحياة التي لا نتمنى العيش فيه، نجد سعادة ومَنُ مِن الله يجب شكره عليه، فإن رأيت شخص مبتلى فتقول الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثير من عباده، وما بين عيش الواقع وعدم النظر للذين يعيشون في وجه من أوجه الحياة الفارهة التي أعطيت إلى كل من نظن أنه ذو حظ عظيم، نجد الراحة والسكينة والإيمان بالغيب تأتي الطمأنينة،  ولا نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض فقد ندم الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون والذي حسبوا أنه ذو حظ عظيم بعد أن خسف الله به وبداره الأرض.
 الموازين الظاهرة تختلف بين البشر واختلافها الخادع يؤدي إلى التصارع والتنافس وتؤدي أيضا إلى أمراض القلوب كالحقد والحسد، أما الموازين الباطنة التي لا يراها من ليس لديه بصيرة فهي موزعة بالتساوي بين الناس ولا يراها إلا الربانيين ذوو البصيرة، فراحة البال والرضا مع بؤس الحياة للرجل الفقير تساوي القلق والوساوس وعدم القناعة مع ترف العيش في حياة الرجل الغني، وقس على ذلك كل فئات البشر.
وجه الحياة الذي تعيشه اجعله أفضل ما يمكن للعيش فيه، تأقلم معه وتكيف على ظروفه، ولا تغفل عن خالقك الذي يدبر الأمر ويسير الكون، فلا تك في مرية أو اعتراض فتبأس بعيشك الذي قدر لك ولن تغير بعد رضاك وسخطك من واقعك شيئا.