إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 15 يناير 2011

الغثاء الأحوى

هل رأيت الغثاء من قبل؟ هل مسكته بيدك ورفعته من على سطح الماء؟ إذا أردت الإجابة فراقب فلاح اعتاد أن يروي أرضه بالغمر بعد حصاد زرعته القديمة، وهم بري أرضه لزرعته الجديدة فستأتيك الإجابة بما يسرك، حيث أن الغثاء الطافي على سطح الماء الباقي من مخلفات الزرعة القديمة يظهر للرائي على أنه كتله ضخمة ترفعها المياه شيئا فشيء حتى إذا اشتد سريان الماء حرك هذه الكتلة التي ظاهرها الضخامة وباطنها الهشاشة والضعف، فيجد الفلاح نفسه أمام كتله يهيئ نفسه لرفعها عن طريق الماء وهو يدرك أنها لن توقف سريان الماء، فالماء لا محالة سيدفعها ولكنه اختصارا لعنصر الوقت، وأيضا لتحسين حالة المياه الراوية للبذور الصغيرة وتنقيتها من الشوائب التي يمكن أن تغطيها وتخنقها فتمنعها من البزوغ.
 ولأنها كتله خادعة يفتح الفلاح البسيط يديه للقبض عليها مستعينا بقوة وحيز أكثر من اللازم حتى إذا انتشلها وقبض عليها بكفيه ضم كفيه حتى تكاد تتلامسان لأنه لم يجدها شيئاً فتظل تنكمش هذه الكتلة حتى تخرج ماؤها وتصفيه فيتضاءل حجمها كثيراً، ويستهين بها صاحبها كثيراً مما يجعله في المرات اللاحقة يسند هذه المهمة السهلة لأحد أبنائه الصغار كنوع من اللعب واللهو له.
هذا الوصف هو ما ذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على حال أمته في هذا الزمان وإنه وربي لوصف بليغ يؤكد كثرة عددنا وقلة فائدتنا وفعاليتنا بل قد نكون عبئا كبيراً على خيارنا من الناس.
الغثاء الذي وصفه نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم حدد تواجده في الأمة وتراكمه في عنوان واحد يتكون من شقين رئيسيين فالعنوان هو الوهن - بتسكين الهاء - أما الشقين الرئيسيين للعنوان فهما "حب الدنيا وكراهية الموت".
فمن منا الآن ليس فيه وهن، ولديه عكس هذين العنوانيين، من منا لديه كره الدنيا وحب الموت أو على الأقل عدم حب الدنيا وعدم كراهية الموت.
الغثاء يحركه الماء كيفما شاء وأينما يريد، تراه طافياً مرفوعاً متحركاً بلا إرادة، تستحقره عندما يتوقف في منحنى منتظرا قوة مندفعة تقذف به خارج السياق أو تجعله يصطدم بالحواف ثم يرتد إلى المسار فيسير بما أراه الماء كعادته المندفعة والمحركة له، وبنفس عادة هذا الغثاء المسلوب الحركة ، تشفق عليه عندما تراه يجد المنفذ الضيق عند فوهة الشلال فيتصارع صغيره للعبور قبل كبيره والكل في سباق شديد نحو قاع الدوامة التي تسحبه تباعاً والكل ينتظر السقوط للقاع بكل بلاهة.
ما لنا أيها القوم كيف وصلنا إلى هذا الحال؟، تُرى أرضينا بالزرع وتعلقنا بأذناب البقر ورضينا بالقعود، واثاقلنا إلى الأرض ولم نعد ننفر في سبيل الله، أتركنا لفريضة واحدة يفعل بنا كل هذا؟، تركنا لذروة سنام الدين جعلنا في أسفل سافلين بين الأمم، فهل نعود ونرتفع؟ هل نقود ويُتأسى بنا مرة أخرى؟. هل نتغير فنصبح ممن يمكث في الأرض أو نكون كالماء الثابت الراسخ فيها يحرك غيره ويسير في طريق خريره ممهداً طريقه وحافراً الصخور والعقبات التي تعترض طريقه، أم نظل على هكذا وضع حتى يأتي المخلص. أسأل الله لنا التمكين والثبات.