إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 12 مارس 2011

الصديق الالكتروني.. شبح قام بالثورة وأسقط النظام

إنه يأتيك من خلف لوحة مفاتيح وشاشة، ربما جمعه القدر بك دون معرفة مسبقة، فتجتمعان صدفة في منتدى أو صفحة تواصل اجتماعي أو مجموعة من المجموعات الاجتماعية التي أنشئت في موقع من المواقع الشهيرة، لا تعرف عنه كثيرا من صفاته أو خصاله، ولا تستطيع التواصل معه في البداية إلا عبر المكان الذي جمعكما، كلاكما حريص في البداية عما لديه من معلومات شخصية، فالعلاقة تكون وهمية لفترة ليست بالقصيرة، بكبسة زر تتواصلان وبكبسة زر ينقطع بينكما الاتصال، بكبسات متعددة على حرف الهاء يوصل إليك ضحكته، وبكبسات متعددة على حرف الميم يوحي إليك أنه يفكر أو متردد في اتخاذ قرار، بكبسة على وجه حزين يعبر لك عن حزنه، وبوجه مبتسم يعبر لك عن سروره من شي ما.
إنه وإن ظهر لك صديقا وهميا إلا أنكما مع مرور الوقت قد تتبادلان المعلومات والثقة، حتى تصلا إلى مرحلة التعارف الحقيقي، وتبادل الزيارات إن أمكن ذلك، وبهذا فإنه في معظم الأحيان وبنسبة جيدة قد يتحول الصديق الالكتروني الوهمي إلى شخصية حقيقية على أرض الواقع ربما لم تتخيل أبدا أنك كنت ستراها في يوم من الأيام.
الصديق الالكتروني ظهر في حياتنا في عصر التكنولوجيا نتيجة تطور الاتصالات ووسائلها وآلياتها، وأصبح بلا منازع يملك الحيز الكبير في حياة شباب الانترنت ومستخدمي الكمبيوتر، فهو يملأ فراغ العديد من الذين تخلو طوعا أو كرها عن الصديق الحقيقي على أرض الواقع، أو الذين فرضت عليهم ظروف معينة تمنعهم من العيش في حياة في ظروف طبيعية، بسبب صعوبة التواصل في البيئة الاجتماعية، وضيق الوقت، والانشغال وعدم تناسب الظروف بين الشخص وأصدقائه على أرض الواقع في كثير من الأحيان.
الصديق الالكتروني حبيس الأسلاك والمقابس، طليق الموجات الكهرومغناطيسية بين أبراج الإرسال، وعبر الأقمار الصناعية، وفي طبقات الجو العليا التي تعكس تلك الموجات، والساري بسرعة الضوء في كابلات الألياف الضوئية في قاع البحار والمحيطات، كان لفترة قريبة صديق وهمي (شبح) لا يعول عليه كثيرا في إدارة الحياة الواقعية اليومية، وكان ولا يزال عند البعض هو لمجرد التعارف والتسلية والدردشة عبر برامج الشات، ورفيق الألعاب الالكترونية وغيرها من برامج الكمبيوتر والموبايل التي تجمع عدد من الأشخاص على الشبكة المعلوماتية. إلا أنه أصبح الآن من الأهمية بمكان حيث أصبح فاعلا في كثير مما يدور حولنا.
الأحداث الأخيرة لثورة 25 يناير التي حدثت في مصر كان بطلها الرئيسي هو الصديق الالكتروني وكان له دور فاعل وكبير في تغيير وجه الحياة في مصر فكان هو الموجه والمحرض والمعلم والمثقف كان المخطط والمحرك والمحفز والمشجع فثورة 25 يناير لم تكن لتنطلق شرارتها الأولى بفضل الله إلا بهذا الصديق الوهمي الذي تخطى مرحلة الوهم وأصبح واقعا على الأرض يشهد أحداث التغيير التي صنعها على شاشات الكمبيوتر فانتقل من مرحلة التواصل الالكتروني إلى مرحلة اللحمة والتجمع والمواجهة في شارع لم يتمكن من قبل لفعل هذا الحراك الذي صنعه الصديق الالكتروني.
الصديق الالكتروني تخطى مراحل عديدة من حياته الالكترونية الواسعة بمنظور العلم الحديث، والضيقة بمنظورنا، فبعدما كان وهميا لا يستعان به ولا يلجأ إليه في كثير من الأحيان وكان لدينا تجاهه أزمة ثقة ونظرة ريب وتوجس، صار اليوم بطلا قوميا، فأصبح الآن صانع ومشارك في القرار، وفاعل في الأحداث وله ثقله في التوعية ونشر المعلومات، فتحية للصديق الالكتروني الذي سخره الله لنا وجعله سببا في تغيير أحوالنا.