إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 16 مارس 2011

لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وهذا عقاب الله للماكرين، فالجمود السياسي الحاصل في سوريا الآن هو نتاج ممارسات وسياسيات قام بها النظام السوري، هذه الممارسات أفرزت نوع من الخوف والكبت وعدم التعبير عن الرأي أصابت المجتمع السوري منذ عشرات السنين، وأجبرته على المضي في طريق يخالف توجهاته وفكره ومعتقده، وأدت به إلى البعد عن محيطه العربي بداعي المقاومة، بل أجبر النظام شعبه على التقرب إلى كيانات لم يكن لها تاريخ مشرف في الذود عن كرامة الأمة الإسلامية، ولم تعرف بمقاومة الأعداء في يوم من الأيام على مر التاريخ.
إنه النظام الماكر الذي سن سنتين سياسيتين أوشكتا على تدمير العالم العربي، وحاولت كل الأنظمة العربية التأسي بالنظام السوري وتقليده لتمرير هذه الأفعال التي قام بها من قبل، لكن الله قادر على أن يفشل عمل المفسدين، وينجي عباده مما يحاك ضدهم من زمرة أهلكت الحرث والنسل وعاثت في الأرض الفساد.
إن السنة السياسية الأولى التي اختراعها النظام السوري الحالي كانت جريمة بشعة بكل المعايير عندما أقدم حافظ الأسد على دك مدن (حمى، وادلب، وحلب) بالطائرات والمدفعية الثقيلة فقتل عشرات الآلاف من شعبه، وجعلها أرضا محروقة، وخدمه في المضي في جريمته عدم وجود إعلام دولي منتشر ومغطي لكل بقعة على الأرض كما يحدث الآن، فالآن يقلده ويقوم بنفس العمل من كان للبييا وشعبها كابوسا على مدى أكثر من أربعين عاما قلده بغباء وصلف لكنه مفضوح داخليا ودوليا لأن التغطية الإعلامية تكشف دبة النملة في جميع مناطق العالم اليوم، ورغم ذلك ربما تقوم أنظمة أخرى ممن تشملها وتدور عليها عجلة التغيير بهذا العمل الدنيء الذي سنه النظام السوري وصدره عربيا للنظم السلطوية الدموية، وهذه السنة السيئة ستعطل حركة التغيير والتصحيح في العالم العربي لبعض الوقت لكنها بحول الله لن توقفها.
السنة السياسية الثانية التي قام بها النظام السوري المستبد هي أخطر من الأولى بكثير، حيث أنها عوقت الحراك السياسي الطبيعي، وأدخلت المجتمعات العربية في دوامات من الجدل العقيم الذي لا يثمر، بل أشغلت النظم العربية المعاصرة منذ عشر سنوات عن مسارات التنمية والتطوير، وجعلتها تفكر بشيء واحد اسمه "التوريث" فأصبحت كل المشروعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والصحية المقدمة من رجال الفكر المتخصصين في هذه المجالات حبيسة الأدراج مثل مشروع الدكتور زويل (الجامعة التكنولوجية) ومشروع الدكتور فاروق الباز (ممر التنمية) ومشروع المهندس ممدوح حمزة (زراعة ما يحيط ببحيرة ناصر من أراضي خصبة) هذا في مصر على سبيل المثال وقس عليها كل المشروعات في الدول المعنية بمشروع التوريث، لأنها ستعلي من شأن أصاحبها المتقدمين بها وستقلل من وزن ورصيد وحجم الوريث أمام الساذجين طبعا من الشعب، وهكذا كانوا يفكرون ويعتقدون. لذلك فمبادرات ومشروعات وأفكار وتحركات الوريث هي المنوطة بالتفعيل والتلميع والتنفيذ لأنها المخرج الوحيد والطريق البديل نحو كرسي الرئاسة، الذي ظنوا أنه بتلك التفكير القميء سيصلوا إلى ما خططوا إليه.
إن مشروع التوريث الذي حدث في سوريا نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي كان محل إعجاب ونظر للنظم شبه الجمهورية على مستوى الوطن العربي، بعدما قام به النظام السوري بكل وقاحة وجرأه منقطعة النظير أمام شعبه، مستغلا تاريخه الدموي السابق ومرهبا شعبا عانى من ويلات الانقلابات والحروب واحتلال الأرض كثيرا، فلم يكن له مخرج من هذا العمل إلا بالصمت المطبق فكانت عينه بصيرة ويده قصيرة تجاه هذا التمرير الممنهج والمفصل للسلطة على مقاس الوريث الذي حضر من الخارج لاستلامها بعد تعديل ما يلزم من قوانين لهذا العمل.
ومنذ ذلك التاريخ انشغلت الأنظمة ببريق الملك الجمهوري، الذي راح ينظر ويحلل بل كاد أن يدخل إلى علم الفلسفة لتحليل المواقف السياسية فيما لا تزال أرضه محتله من قبل الاحتلال الصهيوني، فأعماهم هذا البريق الزائف وأزلف أقدامها لخوض شغف التجربة، التي أوقفت أحوال البلاد والعباد فيما كان العالم يخطو مسرعا في تطور تكنولوجي وصناعي وتجاري فازدادت الهوة وتوسع الفارق أضعافا بسبب هذه السنة السيئة.
إن الأنظمة في مصر وتونس واليمن وليبيا كادت الوصول إلى النقطة التي أوصلت النظام السوري إلى مشروع التوريث، وذلك بتغيير القوانين وحشد المؤيدين وإخراس المناوئين، فعملت على إخراس شعوبها إلا أن لله في الكون سنة أقوى وأكبر من إرادة البشر وهي سنة نصر الله لعباده الذين ينصرونه وسنة التدافع التي من شأنها القضاء على الفساد وسنة رفع دعوة المظلوم التي ليس بينها وبينه حجاب.
فيقول سبحانه وتعالى: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" الحج (40)
ويقول:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين".
لذلك فإن المكر السيئ الذي يحاك للعباد لن يحيق إلا بأهله، فالذين مد الله لهم في الغي والفساد وإن كانوا أول المفسدين، إلا إنهم سينالهم نصيب من التغيير وإن ركنوا إلى التسلط والاستبداد والقوة المستخدمة ضد الناس، ورغم أن فاتورة التغيير ستكون باهظة إلا أنها ستحدث بإذن الله حتى لو كانت هذه الأنظمة القمعية وخصوصا النظام السوري آخر المنزوعين من الأرض وهذا النزع وإن بات صعبا إلا أنه سيكون بغتة بأخذ عزيز مقتدر.