إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 19 يونيو 2011

همسات في نسائم الصبح

همسات في نسائم الصبح
إنها نسمات صبح جميل تشبعت بقطرات الندى ففاح عبيرها هواءا عليل، نهار جديد بدأت تنسج أولى خيوطه في هدوء ونرجسية مع سكون الحركة قبل أن تدب الدواب ويتحرك السكون وتستعر نار الجو مع تعامد قرص الشمس على الأشياء فهذا يوم من أيام يونيو صاحب نهار الصيف الطويل.
نظرا إليه فإذا هو قادم من بعيد يتسرب خياله بين أقرانهما، يحمل فأسه على كتفه، اضطربا رغم سعادتهما بهذا العبير القادم مع نسمات الصبح، همس أحدهما للأخر قائلا أتظن ما أنا به ظان، وتفكر بما يدور في خلدي الآن، قال ولما لا فلقد آن الأوان، قال أتراه يزلزل الأرض من تحتنا كما فعل بآبائنا، قال له يا صاح إنه جاد وما أظن أن هذا وقت مزاح، قال إذاً تمسك بالأرض جيدا ودعني ألف أوراقي حول خصرك ولف أوراقك حول خصري لعل الله يكتب لنا من تلك الزلزلة نجاة.
عودهما النحيل ما زال لا يقوى على تقلبات الطقس ولا على تقلبات مزاج الرجل ذو الأيدي الخشنة الذي خلع جلبابه وشمر عن ساعديه وبدأ يقلب التربة من حول أقرانهما.
أنساهما الموقف الفرح اليومي بعبير الصبح وتغريد العصافير وتراقص أوراق وأغصان الأشجار من حولهما، فهم في مواجهة خطر الاقتلاع وزلزلة الأرض من تحتهما بل وتعرية جذورهما، بدأ الخوف يدب في قلبيهما، تشبث كليهما بالآخر، تعانقا ولف كل منهما أوراقه حول خصر أخيه، وهم في مواجهة الرجل ذو الأيدي الخشنة.
امتطى الرجل ذو الأيدي الخشنة المصطبة الواقفان عليها وخربش الأرض بفأسه ونكشها نكشا فوارى شقوقها وقلب حصاها واقتلع الحشائش والمتطفلات والكلأ الذي أحاط بأقرانهما، وعندما اقترب منهما قال أحدهما للأخر: ماذا لو أخطأ ذو الأيدي الخشنة واقتلع أحدنا، إني أخاف أن يخطأ ويضرب أحدنا بفأسه المسنون، قال له صاحبه اعلم أنه ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وكل شيء بقدر، فقط كن طبيعيا ولا تخف حتى لا تلفت انتباه صاحبك ذا الأيدي الخشنة، فإن خوفنا أذبل أوراقنا وأصفره، قال له صاحبه إذاً علينا بالتمايل مع الريح حتى ينتبه إلينا ونجذب نظره لوجدونا فيحافظ علينا.
اقتربت الفأس منهما وراحت تقلب الأرض حولهما باحتراف، فجاءتهما من أمامهما ومن خلفهما وعن أيمانهما وعن شمائلهما ومن فوقهما ومن أسفلهما ثم استلت شفرتها من بين أوراقهما لتقلب التربة من بينهما، فقطعت ورقة من إحداهما ودفنت ورقة تحت الحصى للأخر، وبعد أن انقشع الغبار نظر أحدهما للآخر وقال له ءأنت بخير أم أصابك مكروه؟، قال له صاحبه كل شيء على مايرام إلا أن إحدى ورقاتي قطعت والآن أنا أنزف، ولكنه نزفا خفيفا فالحمد لله، وماذا عنك؟ قال له صاحبه: إحدى وريقاتي دفنت تحت التراب ولكني بإذن الله سأقاوم حتى تخرج أو تذبل وتقطع فيخرج غيرها.
في ظل هذا المشهد وبعد أن أنجاهما الله من معركة "عزق الذرة" دار بذهنيهما المرحلة القادمة من مراحل صراع الوجود فجال في ذهن الأول موقعة "خف الذرة" القادمة وما إذا كانت ستناله يد الرجل ذو الأيدي الخشنة وتقتلعه من الأرض فتخلع جذوره ليعيش الآخر، أم سيكون هو من يكتب له البقاء إذا كتب الفناء للأخر، أما صاحبه فقد قال في نفسه إنها موقعة الخف القادمة التي لابد وأن يخلع أحدنا ليعيش الآخر، فنظر في وجه صاحبه، ففهما ما يدور بذهن بعضهما، فقام الأول بعناق صاحبه وهو ينزف سائله الكلورفيلي بينما انتفض الآخر وشد عوده ليعانق صاحبه فانقطعت الورقة المدفونه ونزف هو الآخر من طرفه المقطوع سائلا  كلوروفيلي كصاحبه، وقالا معا: مهما كان المصير فإننا بنو ذرة سنحافظ على نسلنا وسينجب من يبقى فينا ذريته لنعيش حياتنا وصافح كل منهما الآخر، وابتسما وتراقصا سويا مع نسمات الصبح فيما مر من فوقهما الرجل ذو الأيدي الخشنة بعرقه المتساقط فوق أوراقهما وكأنه سحابة صيف مرت سريعا على أحلامهما، فأرجئ بذلك التفكير في المصير حتى إشعار آخر.