إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 15 يوليو 2011

ثالوث الخوف

ثالوث الخوف

تتراءى أمام مخيلته هواجسه التي تؤرقه عندما يوشك على الدخول في المكان الذي يثير تلك الهواجس، هواجس تتراقص أمامه كما تتراقص انعكاسات أشعة الشمس المنبعثة من الأرض في ذروة تعامدها أثناء القيلولة، إنها الغرفة المظلمة التي لطالما حتم عليه عمله ولوجها ليل نهار لتحميض أفلام الأشعة التي يصورها للمرضى والمصابين القادمين للمستشفى، يزاد على ذلك تعكيرا للصفو وتكديرا، المبنى المهجور الذي وضع جهاز الأشعة فيه لحين الانتهاء من أعمال الإنشاءات الجارية على قدم وساق.
إنها ليلة شتاء طويلة وباردة يزيد ثقلها وعبئها عليه كلما أتته إحدى الحالات لتصويرها وفي إحداها قام فصور ودخل ليحمض الفيلم فإذا بمن يوكزه في خصره، تعوذ بالله من الشيطان وسمى الله وأثنى عليه وهلل وكبر وما أن كاد ينتهي إلا وأتته وخزة أخرى أسفل صدره كادت تفقده السيطرة على خلاياه التي تشرذمت هربا من جسده، وأفقدته التحكم في أطرافه فنزلت بقعتان من بوله في ملابسه الداخلية تبعتهما زخة لاإرادية، وبدأت تسيطر عليه الرعشة والتيه بعد فورة دمه في عروقه من شدة الفزعة، ولسان حاله يقول: انصرف، انصرف، إنه الآن في دوامة الصدمة التي تسبق حالة الإغماء التي تكاد تصيبه وهناك شيء من الغثيان والبهت وتصلب وجفاف في الحلق، ورغم كل تلك الأعراض بدأ يتمتم ليقرأ المعوذات وبعض آيات القرآن عله يخرج من تلك الشدة.
انقلب الحال فبعد البرودة المتشبع بها الجو، أحاط وجهه شوب وصهد أحرق شعر رأسه وطقطقه فجعله يتصبب عرقا، ومع عدم جدوى تمتمته ومع ضيق المكان الذي أشعره بالاختناق ومع زيادة ضربات قلبه خرج مسرعا من هذا المكان المرعب فإذا بالشبح المتمثل في أحد زملائه الألداء يخرج وراءه مسرعا ضاحكاً منتشيا بالبطولة بعد أن أذاق صاحبه ويلات الفزع والرعب والاضطراب. حملق فيه قائلا يابن الـ .... تيت. أهو أنت. الله يلعن .... تيت.
زاد الآخر في قهقهته ضاحكا غير آبه، لم يتمالك نفسه وقوفا من شدة ضحكه فجلس مقرفصاً، ثم زاد خواره أكثر فتمدد على الأرض وخر ضحكاً للثمالة، حتى كادت تتصلب عضلات بطنه، وكاد يتوقف قلبه من شدة الضحك.
في الأثناء تفاجأ الضحية بوكزة أخرى أشد قسوة من تلك الوكزات التي ذاقها في الغرفة المظلمة فإذا به ملقى على أريكته الفردية، التي هرب إليها بعد جولة تكدير قضاها في أول الليل مع الطرف الأشد وطأة والأشد ضغطا على أعصابه، والأكثر تطفلا على فكره والأكثر معرفة بهواجسه ونقط ضعفه.
وقفت زوجته على رأسه قائلة: قم يا سبعي فقد حان وقت العمل لقد جاوزت السابعة والنصف.
فهمهم متذكرا زميل عمله الذي لا يتوانى عن التفنن في صنع المواقف التي تؤرقه وتعري جنبات شخصيته وتظهر مواطن ضعفها، وكذلك الغرفة المظلمة التي تثير خيوط الخوف بفرائصه كلما اختلى بنفسه فيها، هذان الشيئان القابعان على صدره اللذان يمثلان له الهم الأكبر في حياته العملية واللذان لا يتركه التفكير فيهما حتى أثناء نومه، يضاف إليهما زوجته التي تشترك معهما في شغل عقله الباطن وجهازه نظير السمبتاوي بالأحلام المزعجة في لياليه الخوالي، وتعد ثالثهما الذي يحيط حياته بشبكة من خيوط كخيوط العنكبوت التي تشل حركة فريستها حتى الموت .
قالت له: أراك خائر القوى، مشتت الذهن لا تقدر على القيام، ماذا بك؟.
فغر فمه دهشة وقال صامتا في خلجات نفسه: ثالوث مؤرقني زميل لدود، وزوج غير ودود، وغرفة ظلماء كؤود.
وفجأة صاح منددا بعد أن دخل في نوبة صرع هستيري: هيهات هيهات، تباً لكم جميعاً، ولتكن من الآن: ثورة ثورة ثورة