إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 11 يوليو 2011

العلم والإيمان

العلم والإيمان
خلق الله الإنسان فعلمه البيان، وكذلك علمه الأسماء، وعلمه صنعته التي تدر عليه رزقه، وأمره بالسير في الأرض والمشي في مناكبها لينظر ويتفكر ويعقل، فيعلم خالقه وخالق الخلق ومقدر المقادير فيعي وضعه وضعفه ويعي قدرة خالقه فيقدره حق قدره ويعبده حق عبادته.
ومع كل تلك الآلاء والنعم التي منحها الله للإنسان إلا أنه قد منحه قليلا من العلم فيقول تبارك وتعالى " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" ويقول سبحانه وتعالى " وفوق كل ذي علم عليم" لذلك فالعلم الممنوح للإنسان هو علم مقدر ومهيأ لوضعه ومعيشته على الأرض فقط، فقد يبحث العالم عن دليل أو برهان ليثبت نظرية بعينها وقد يبلغ الأسباب أو يتتبعها ليصل إلى معلومة أو حقيقة علمية
وهناك من العلوم مالا يهبه الله للإنسان بل يخص به مخلوقات أخرى ليدرك أن هناك الكثير من العلوم التي لا تتماشى مع وضعه على الأرض فلا يفهم لغة المخلوقات ولا تسبيحها كما قال عز وجل "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" ولا يعلم ما في الأكوان من مخلوقات ولا يرى كثيرا من مخلوقات الله ولا يدرك وجودها فيما تخول مخلوقات موجودة معه على الأرض لعلم ورؤية ما لا يعلمه وما لا يراه فلا يرى الملائكة كما يراها الديكة مثلا ولا يرى الشياطين كما تراها الحمير ولا يفهم لغة المخلوقات من حوله كما فهم سيدنا سليمان لغة الطير والنمل وغيرها.
 كما أن هناك الكثير من العلوم والغيبيات التي تخفى على الإنسان ويعلمها غيره أو تخفى عليه وعلى مخلوقات أخرى كالجان أو لا يستطيع الوصول إليها بقدرته.
إن العلم الذي وهبه الله للإنسان ومنحه إياه ليساعده على عمارة الأرض وتوطينه فيها لا يمكن أن يكتمل إلا بمعرفة الخالق والخشية منه فيقول تبارك وتعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" سواء كانوا علماء في علوم الدنيا أو في علوم الشرع والدين لأنها في النهاية تصب في التسليم والتوحيد والعبودية لله رب العالمين ولن تأتي الخشية من الله أو مراقبته إلا بالإيمان الذي هو طريق التعرف على الله وزيادة الصلة به لذلك فالإيمان هو غطاء العلم الحافظ له والواقي له من التلف كعظم الجمجمة الحامي للعقل كما أن العلم هو لب الإيمان الذي يعضده ويكون محتواه للوصول والتعرف إلى الله.
إن الإيمان بالله والصلة به هي طريق العلم والتفهيم فدعاء الرسل لربهم ومناجاتهم له رفعهم الله بها لأعلى الدرجات في الدنيا والآخرة فعلم الله يوسف من تأويل الأحاديث، وألان لداود الحديد بعد أن تعرف على تسبيح الجبال والطير، ولسليمان تسخير الريح وفهم لغة الطيور والمخلوقات، ولموسى سخر العصا لتكون آية للدعوة إلى الله من ضمن تسع آيات وهبها الله له لتكون حجة على فرعون وقومه، وعيسى يحيي الموتى بإذن الله ويشفى الأكمه والأبرص بإذن الله ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، ولسيدنا محمد معجزة القرآن ومعجزة الإسراء والمعراج ووسائلها كالبراق ورؤية من الله لعباده الصالحين ليكونوا أعلم أهل الأرض ويكونوا بذلك أشد الناس خشية من الله لأنهم أشد علما وأشد إيمانا.
إن أفلاطون عندما كان يحلم بالمدينة الفاضلة التي تمنى، والتي لم تتحقق أركانها ولم يصبح لها وجود على الأرض إلا في عهد نبي رب العالمين وخير المرسلين سيدنا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أتم الصلاة والتسليم، أقول لم تتحقق شروط وعوامل وجود هذا المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون إلا بوجود الإيمان والعلم الذي ما إن وجدنا أحدهما في هذا الزمان فقدنا الآخر، لأننا وجدنا أنفسنا الآن أمام فقهاء دين بلا علم دنيوي، أو علماء بلا علم شرعي فهل نجد اليوم ابن رشد أو الفارابي أو بن سينا والكثير الكثير من العلماء المتفقهين في الدين أو فقهاء الدين الحاملين للعلوم والتخصصات العلمية التي تساعد في بناء الأمة.
إننا نريد اليوم عندما نتحدث عن بناء الدولة الحديثة القادرة على مجاراة العالم وتسخير كل التقنيات المتاحة لها في ذلك أن تكون الكثرة الكاثرة من فقهاء الدين على علم ودراية بالتخصصات العلمية التي تساعدهم على إفهام الناس ولا تكون أمامهم عقبات في إفتاء الناس في أمور دينهم وإيصال الدعوة الشرعية لهم فيتحقق بذلك الإيمان والعلم. كما أننا نريد العلماء والأكاديميين وأصحاب التخصصات التي تساعد في بناء الدولة الحديثة أن يكونوا على دراية بأمور دينهم وأركان شرع دينهم والحدود والضوابط والمحاذير التي يجب ألا تمس بها العقيدة والشرع فيتحقق بذلك العلم والإيمان.
إن العلم والإيمان متلازمان مقترنان لا يمكن أن يؤثر أحدهما دون الآخر فهما مكملان لبعضهما البعض فإذا افتراقا فقدا فعاليتهما فلا يكتمل إيمان بدون علم ولا يكتمل علم بدون إيمان فهل ننطلق بالاثنين معا وألا نأخذ شقا ونترك الآخر فنمشي بشق مائل أو نمشي كالأعرج الذي أهلكته وعثاء الطرقات.