إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 13 يونيو 2012

الحد الأدنى والحد الأقصى إلى أين



لاشك أن الوضع المقلوب الذي تعاني منه البلاد والذي كان أحد أهم أسباب الثورة لا شك أنه لن يستمر طويلا بعد المرحلة الانتقالية مهما حاول القائمون على الأمر تسكين الأوضاع المعيشية بمسكنات مؤقتة للعاملين بالقطاع الحكومي والقطاع العام في الدولة، فالرواتب الاشتراكية التي سنت قوانينها في حقبة مختلفة تماما عما نعيشه الآن لن تتماشى بحال من الأحوال مع شراسة الرأس مالية التي تفتك بنا جميعا.
إن النظام الذي أسسه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منذ الخمسينات بدءاً بالاتحاد الاشتراكي مرورا بقوانين الدعم ونظام القطاع العام وغيرها من النظم التي ما زال العمل ساريا بها لا تصلح مع التوجه نحو الاستثمار والانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة فكيف لعامل يتقاضي بضع مئات من الجنيهات شهريا أن ينتج منتجا عالي الجودة ينافس المنتجات الأخرى في الأسواق العالمية وكيف لموظف يتقاضي بضع مئات من الجنيهات لاتكاد تسد رمق أبنائه أن يرسو ويمكث في مقر عمله حتى نهاية الوقت، والحل الطبيعي إذاَ هو تطبيق قوانين الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور ليواكب الوضع المعيشي الرأس مالي، وليحقق مبدأ العدالة الاجتماعية التي قامت من أجله الثورة.
على الجانب الآخر فإن تدبير ميزانية قانون الحد الأدني ليس صعبا إذا طبق قانون الحد الأقصى، فالأموال التي ستقتص من طبقة مرتفعي الدخل تغطي وتكفي تعديل أجور محدودي الدخل إذا ما طبق قانون الحد الأدنى بالتوازي معه، لكن أحد أهم المعوقات لتطبيق هذين القانونين بالتوازي هي الشريحة المجتمعية المستفيدة حاليا من عدم تطبيق القانونينن فهناك شريحة كبيرة في المجتمع يزيد دخلها عن الحد الأقصى الجديد وهي بالطبع قد تعودت على نمط معيشي معين يصعب معه التخلي عن تلك الأموال المغدقة عليهم والتي تعتبر مصا من دم الفقراء وضخا في جيوب الأغنياء وبها يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا، ويزداد معهما الوضع المقلوب سوءا وتعقيدا ومن هنا سنجد الاضرابات الفئوية ظاهرة مستمرة طالما بقى الوضع كما هو عليه.
إن الشريحة المجتمعية المستفيدة من الوضع الحالي كثيرة ومؤثرة وتمتلك كثيرا من أوراق اللعبة داخل البلد ولها أتباعها الذين تحركهم ولها أدواتها التي تستطيع بها أن تعوق مسارات التنمية، ومنها على سبيل المثال مدراء العموم في شركات قطاع البترول مثلا ووكلاء الوزرات والمحافظين ولواءات الجيش والشرطة ورؤساء تحرير الصحف القومية وبعض المناصب في قطاع الإعلام والإذاعة والتليفزيون وهيئة قناة السويس وشركات الطيران والموانيء البحرية والبرية والجوية، وقطاع السياحة والتعدين وغيرها من القطاعات المؤثرة، فهل تتنازل هذه الفئة عن تلك الأموال وتحاول تعديل نمط حياتها المعيشي ليتوافق مع الوضع الجديد، أم أن ما يتهافت عليه العوام هي أحلام وردية من الصعوبة بمكان أن تتحقق؟