إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الإدراك الانتقائي

 

نظرية "الاستخدامات والمنافع" هي إحدى نظريات الاتصال التي يتم تناولها في علوم الاتصال الحديثة وهي نظرية بزغت في خمسينات القرن الماضي بعد فشل خبراء الاتصال القائمين على حملة الرئيس الأمريكي (إيزنهاور) في إقناع الناخبين للتصويت لمرشحهم في انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث أدرك القائمون على الحملة الانتخابية فشل النظرية القديمة التي كانوا يتعاملون بها في المجتمع، وهي نظرية الآثار الموحدة أو "الحقنة تحت الجلد" أو "الطلقة السحرية" التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى والتي تتبنى فكرة الاستجابة الموحدة في المجتمع للرسالة الاتصالية.
 وقد أدى فشل هذا المنظور إلى ظهور النظرية الجديدة "الاستخدامات والمنافع" والتي تعتمد على استجابة فئات الجمهور كل لما بهمه ويخصه فقط من الرسالة المرسلة وبناءا عليه فقد ظهر مفهوم الإدراك الانتقائي والمترتب عليه التذكر الانتقائي والسلوك الانتقائي للفرد أو الجماعة.
الرسالة الاتصالية العامة يمكن أن يدرك منها كل فرد أو مجموعة ذات علاقة مشتركة ما يهمه أو ما يتماشى مع وضعه المهني أو الاجتماعي أو الثقافي منها. وبناءا على هذا الإدراك يتم التذكر الانتقائي لما ورد بالرسالة وبناءا عليه يشرع في السلوك الانتقائي أما باقي الرسالة فهو لا يتذكرها لأنها لاتهمه ولا يعنيه ما بها.
يتحقق هذا التصرف في بعض المواقف التي شرحها لنا القرآن الكريم منذ قرون عديدة حيث يصف الجمهور الذي تلقى على مسامعه الرسالة بأوصاف تدل على عدم اهتمامه أو اكتراثه بما يقال فيقول رب العزة تبارك وتعالى:  {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[الأعراف : 198]
وهذا دليل على عدم إدراك ما في الرسالة أو الاهتمام بمضمونها لأنه لا يتماشى مع أهواء ومصالح تلك الجماعة.
ويقول سبحانه وتعالى أيضا:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
[الأعراف:179]
ويقول الله عز وجل في سورة الحج :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾. وهذا أيضا دليل انشغال هؤلاء القوم بأشياء بعيدة عما يوجه لهم في الرسالة العامة.
في مجتمعنا اليوم كثير من النماذج التي ينطبق عليها هذا التحليل فترى طالب الجامعة المنشغل بقصة حب بفتاه يجلس داخل القاعة ينظر ويسمع للدكتور ولكنه غير مدرك للرسالة لأنه غير آبه بمحتواها ولو أن الدكتور ضرب مثلا بقصة حب أو بشيء ما يدور في خلد هذا الطالب وأثار اهتمامه وجدته التفت للحديث واهتم بما يقال بل يحاول أن يدرك الرسالة أو أن يمسك بطرف خيط يفهمه أجزاء المحاضرة الأولى.
هذه حال المجتمع فكل أصحاب مهنة لهم اهتماماتهم وكل فئة عمرية لها ما يشغلها وكل جنس له احتياجاته، وكل جيل له فكره ويتحكم في كل هؤلاء القنوات الإعلامية التي تغذي حاجاتهم وقادة الرأي الذين يلعبون دورا مهماً في التأثير على الأتباع.
الجمهور هو الذي يختار الرسالة وينتقي ما يستمع إليه فالملتزم دينيا يتابع العلماء الأفاضل ويبحث عن مجالس العلم وينتقي الفضائيات الدينية للاستماع إليها، وكذلك المغرم بكرة القدم وتشجيع الأندية يبحث عن آخر أخبار الفريق المشجع له وأخبار من يحب من اللاعبين وينتقي القنوات الرياضة لإشباع رغبته عن طريق القناة الإعلامية التي توصل له الرسالة التي يحبها وينتقيها، ويقاس على ذلك كل الجمهور فيما يهتم به وينتقيه ليتم التعرض إليه ومن ثم إدراكه جيدا.
لذا فالنصيحة للناس هي في الاستماع حتى ولو كان المجال ليس مجالك والفكر ليس فكرك والوقت ليس وقتك فالحكمة تقول اسمع أكثر مما تتكلم فقد خلق الله لك فما واحدا وأذنين فلتسمع أكثر مما تتكلم وبسطاؤنا قالوا لنا (اشتري ما تبيعش).