إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الصراخ على قدر الألم

تتعالى الصيحات الصادرة من أرض الحضارات، من بلاد وادي النيل هذه الأيام، تلك البلاد التي أنعم الله عليها بكل الخيرات، وشكل بأرضها نيلاً قادما من أدغال القارة السمراء، ليصب في البحر المتوسط وهو على شكل حرف Y يضم بين ذراعه وحول جنباته، مجتمعا من خير المجتمعات، تلك النعم التي أنعم الله بها على تلك البلاد، تتلاشى واحدة تلو الأخرى، بسبب ما كسبت أيادي أهلها، فبعد أن كانت مقصد البدو وملاذهم في المجاعات، وقبلة من أراد التمون بالزاد، أصبحت اليوم البلاد تعيش حالة من العشوائية والفساد، يضرب أركانها من الشتات إلى الشتات.
تحول حرف الواي إلى ما يشبه اللسان في فم حية، ريقه ملتهب ينفثه كل حين ليخفف ما حوله من احتقان.
الصيحات تتعالى من أرض الكنانة يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة من كثرة الألم، وكثرة الألم تأتي من قوة الالتهاب، وقوة الالتهاب تأتي من شدة البأس والعذاب، الذي يعانيه الآن المجتمع المصري. دول وجيران عن اليمين وعن الشمال لا نسمع لهم صوتا، ولا يأتينا منها خبرا عجبا كما يأتي الآن من مصر.
يقول الله تبارك وتعالى لسيدنا موسى في كتابه الكريم: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {87}.
ويقول سيدنا موسى لقومه من بني إسرائيل: "اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم".
اليوم مصر بلد تفريخ المهاجرين، وقبلة الفاسدين، وملاذ المجرمين، ونصيرة الطغاة والمتجبرين، ومأوى الساقطين والمنتفعين، لا نسمع منها إلا صراخ الضعفاء والمساكين، ونحيب الأرامل والمتسولين.
فإلى أين أيتها الحبية إلى أين يا مصر عودي.
عودي على ما نحب أن نراك عليه في حلتك البهية، في صورتك القوية، في شموخك وعنفوانك، في غلظتك على أعدائك، ورحمتك بأبنائك وإخوانك، ألم تكوني صخرة العُرب، وعقبة الغُرب، وملاذ الضعفاء، ونصيرة الأقوياء، وآوية الحضارة، وصاحبة العلم والعلماء، ألم يهبك الله نيلاً جميلا، وهواءاً عليلا، وأرضاً خصبة ذهبا. ألم يهبك الله أهلا طيبين، أصحاب خلق وطيبا، وصى بهم الحبيب، وقال لأصاحبه أوصيكم بأهل الذمة والرحما.
لا تفرطي في مكانك، ولا في مكانتك، لا تسلمي لأعدائك، لا تيأسي من أبنائك، لا تفرطي في نقطة ماء من نيلك، ولا تشكي للناس عويلك، همي وانهضي فلا نريد أن نسمع الصراخ من أبنائك، نريد أن نسمع صوت آلات المصانع، وضربات الفؤوس في المزارع، وأزيز الطائرات في سمائك، وتكبير الجنود في محاكيات المعارك،
همي وانهضي لعلي أرى رباطة جاش وصمود وعهد من الذل لن يعود ولعل الصراخ يسكته الصمود. 
(نشأت النادي)