إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

عندما ينهار المسرح الوطني

عندما فتحت الستارة العريضة إيذانا ببدأ العرض الجديد، كان رد الفعل تصفيق حاد من المشاهدين، في الخلفية بلاتوه مليء باللوحات الخشبية ذات الصور الجميلة، هذه رسمه لعمارات وناطحات سحاب، وهذه صورة لحدائق ذات بهجة، وهذه صورة معبرة لمعركة حربية، وهناك صور لأطفال في المستقبل وهم يلهون ويمرحون حول صرحهم العلمي المكتوب عليه "مدرسة جيل المستقبل"، كل ذلك تم بفعل مهندس ديكور بارع رص اللوحات بطريقة منسقة ودقيقة توحي للمشاهد بإثارة مزيج من أحاسيس مختلطة، تستحضر الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فتثير فيه الخوف والحماس والعزة والفخر والطموح والأمل، وكثير من الأحاسيس البشرية الهائجة من المشهد كموج البحر.
في الخلفية الموسيقية أغاني وطنية وأهازيج شعبية وأناشيد حماسية، بدأ العرض بالمؤديين الذين لاقوا ترحيباً كبيراً من المشاهدين ملتهبي المشاعر ومرهفي الحس بعد هذا التمهيد الناجح لجو المسرحية الجديدة، يحدوهم الأمل في مشاهدة عمل جاد يرضي فكرهم وعلمهم وثقافتهم، بدأ العمل بفريق عمل يؤكد في بداية مشواره أنه يعمل بكل ما أوتي من موهبة ونشاط، وتمر مشاهد المسرحية الأول بعمل جاد ومنظم من فريق العمل وإشادة ورضا من المشاهدين المتابعين بشغف وفضول، يمر العرض ويبدأ فريق العمل في احتراف دوره وإتقانه، فمنهم من حفظ جمله جيدا وطريقة إلقائها، وكذلك أتقن حركاته التي يؤديها على المسرح، ومنهم من أيقن موضع لوحات الديكور، ونسبة الإضاءة، وكثافة الصوت، ومنهم من حفظ اللحن جيدا وأصبح يعزفه في الخلفية بدون نوته، وبعد فترة التعارف وجس النبض من الطرفين بدأت مرحلة جديدة من الواقع الجديد تشوبه الرتابة والملل والعمل الروتيني الذي يبدو عدم التجديد فيه سمة المؤدين، فتدنى الأداء شيئاً فشيئا لعدم تعليق المشاهدين وعدم ردهم على الأخطاء التي بدأت في الظهور، فحراس المسرح زاد عددهم وتزودوا بالأسلحة والمتاريس داخل المسرح وخارجه، والتي توحي لأي مشاهد بأنه لو اقترب من تلك الحراسة ستدهسه عجلات قوتها وسيفتك به مردودها الناري الرهيب، ولكن هناك من المشاهدين من يمتعض من الأداء الذي لا يليق بهذا المسرح الجميل فيبدأ قلة منهم بالتمتمة التي تشوش على العرض الباهت، فتبدأ القوة في سياسة تكميم الأفواه ويخشى الآخرون هذه السياسة، ويزداد العرض سوءاً ويزداد صوت الاعتراض، فتبدأ مجموعة أخرى بالحديث بصوت مرتفع، فتقوم الحراسة بمنعهم بأسلوب أكثر شدة، فيصمت باقي الجمع كاتمين في أنفسهم كثيرا من الامتعاض والحنق على ما يرونه، ويزداد العرض سوءاً فتقوم مجموعة أخرى بالاعتراض عن طريق الوقوف والتحرك نحو خشبة المسرح للاعتراض، فتقابلها الحراسة بأسلوب أشد شراسة وهنا لابد لها من الاستعانة ببعض مطاريد المشاهدين الموقوفين خلف خشبة المسرح ووراء أسواره ليعطوا من يعترض بعد ذلك درساً له ولغيره، فيزداد الخوف والحنق والغضب وتتراكم الهموم والضغوط، ويزداد العرض سوءاً فتقوم جماعة كبيرة من الجماهير للمطالبة بعرض يليق بما يدفعونه لهذا المسرح وفرقته ويطالبون بتغيير هذه الفرقة بفرقة جديدة منهم لديها إمكانات ولكن لا مجيب.
 يمر الوقت والمشاهدون يشاهدون وتحصل منهم أثمان المشاهدة على شباك التذاكر التي تزداد قيمتها سنوياً نظير زيادة رسوم المكيفات الخربانة، ورسوم الجلسة على كراسي متهالكة، وكذلك الإضاءة التالفة وخدمة دورات المياه التي لا يوجد بها مياه، معظم المشاهدين بدأ يخرج ولا يشاهد المسرحية، وانسحبوا من المسرح رغم أنه مجبورون على دفع قيمة التذكرة نظير هذا العرض الذي انسحبوا منه وأصبحوا لا يشاهدونه، ورغم ذلك تابع المؤدون العرض الرديء بل جلبوا بعض المشاهدين التابعين، وأغدقوا عليهم بجزء من ريع المسرح الذي تأتي موارده من المشاهدين غير المتابعين، واستعانوا أيضا بحراس المسرح وبلطجية المشاهدين الخارجين على القانون للتهليل لهم ومشاهدتهم، بل وحتى لاختيارهم بلعب الأدوار حتى آخر نفس وحرمان أي فرقة أخرى الصعود على خشبة هذا المسرح. وفجأة تهتز خشبة المسرح المجاور ويقوم مشاهديه بهدمه على إدارة المسرح ومؤديية، بل وعلى أنفسهم، وهنا دبت روح الإصرار والعزيمة من المشاهدين إلى تغيير هذه الفرقة بأي ثمن، وتحركوا شيئا فشيئا فبدأ الحراس في ممارسة دورهم المعهود، حدث الصدام وهذه المرة ليست ككل مرة، وفجأة تطورت الأحداث فقامت إدارة المسرح بإطلاق العنان لبلطجية المشاهدين مع الحراس للحفاظ على المسرح فازداد الاصطدام أكثر فأكثر حتى وقع بعض القتلى من الطرفين، فقامت الإدارة بإصدار أوامرها للحراس بالانسحاب من أرض المسرح ووجهت العمال بلم لوحات الديكور وفوانيس الإضاءة والكاميرات والأدوات الموسيقية المهللة لهم، وهنا ظهر الجانب الآخر من المسرح فخلف البلاتوه ظهرت أكوام الخردة التي خلفتها الفرقة وظهرت مخلفاتهم، وبقايا طعامهم ومعيشتهم وفتاتهم. كما ظهر المشردين ممن كدروا عيشهم والخرابات المليئة بأكوام القمامة المليئة بالقوارض والزواحف وظهر الوجه الحقيقي للمسرح وتبين أن كل الخلفية التي بنيت على خشبة المسرح وفي البلاتوه ما هي إلا ديكور أمام بعض المشاهدين الذين لا يدركون ما خلف هذه اللوحات الكرتونية.
والآن على المشاهدين إعادة إعمار هذا المسرح الكبير ولكن هذه المرة ليس بلوحات ديكور ولا بفرقة ترغمهم على الأداء السيئ ولا بالحراسة التي استوعبت درس مواجهة الجماهير، عليهم إعمار المسرح بساحات عرض حقيقية تبين عظمة وعراقة هذه الجماهير تبنى بالعرق الممزوج بالحق والعدل لتكون الكيانات الحديثة ملموسة وحقيقية وليست لوحات عرض كرتونية كالتي تكسرت وتلاشت وأزيلت لأنها للديكور فقط.