إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 15 يونيو 2011

سياسة الدين ودين السياسة

سياسة الدين ودين السياسة
الدين والسياسة نظامان يهيئان لوضع الإنسان ومعيشته على الأرض روحيا وجسديا، فهما منظمان لحياته، فالدين نظام إلهي أنزله الله على الناس لينظم أمور معيشتهم ويضع معايير ومقاييس وضوابط للتعامل فيما بينهم،  وهو نهج ينتهجه الإنسان ومعتقد يقتنع به يعيش على شرائعه وحدوده ليتعرف على الله فيعبده حق العبادة ويتقيه حق التقوى، أما النظام السياسي فهو نظام يضع معاييره ومقاييسه وضوابطه القائمون على حكم مجموعة من الناس فيما بين الأسرة والعائلة والقبيلة أو القرية والمدينة والولاية والدولة، فهناك نظام سياسي يحكم بالعرف والقانون والتشريع هذه التجمعات والكيانات، وكلما اتفق هذا الحكم السياسي مع تعاليم وأوامر ونواهي الدين كلما كان متفقا مع فطرة وخلق الله الذي فطر الناس عليه.
الدين نظام إلهي أعم وأشمل نزل من عند الله ليحكم وينظم حياة البشر، وهو يحتوي كل اجتهادات وتشريعات البشر، فكل الكتب السماوية نزلت لتنظيم حياة الإنسان وتعريفه بربه وخالقه،كما أنها تهيئ له حياة صنعها الله له كما صنعه، وخلقها له كما خلقه، لذلك فإن قوانينها التي أنزلها العليم به لا يمكن أن تكون مضادة لخلقه وجبله "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
إن فطرة الله التي فطر الناس عليها تقضي وضع تشريعات وتنظيمات وحدود تكون خادمة لتلك الفطرة، ولعل الشذوذ عنها هو ما يضع حياة ذوو هذا الشذوذ في أوضاع الشقاء والنصب والتعب، بينما يجد من تمسك بحكم الله وشرعه ومنهجه الذي جاء في دينه يجد السعادة في الدنيا والآخرة.
الدين والسياسة أب وابن فإذا ورث الابن من أبيه خصاله ورباه أباه على ما أنزل الله فعاش في طاعته، عاش سعيداً لم يلق مصاعب ومتاعب في حياته، أما إذا عاق الولد أبيه وعصى أوامره ونواهيه تعب ونصب ووجد من مخاطر المجازفة والسقوط ما يجعله يحيد عن الطريق القويم، فيخسر عمله ويضل وهو يحسب أنه بذلك قد يحسن صنعا، فيشقى في الدنيا والآخرة.      
إذاً فإن سياسة الدين تقضي بوجوب تنظيم حياة الأمم والشعوب على ما أنزل الله لها من كتب ورسالات نزلت على قلوب رسل وأنبياء قاموا بإيصالها للناس فوعاها وفهمها السعداء وتركها وصد عنها الأشقياء.
أما دين السياسة فهو كما يشكله ويختاره الساسة فإذا ابتعدوا عن حكم دين الله وفطرته في خلقه، شططوا بهذا الاختيار فوقعوا في دائرة الانهيار، ولعل لنا في قصصهم عبرة إن كنا من ذوي الألباب، ففرعون وقارون وهامان وجنودهم كانوا خاطئين، وامرأة نوح وامرأة لوط كانتا من الخائنين، وإبليس وجنوده بهذه السياسة هم من الهالكين.
إن زعماء الغرب بعد أن وعوا حقيقة دين الله وشرعه الذي توافق مع فطرة الإنسان وخلقه، قاموا بتطبيقه بعد عصور من التخلف والاستبداد، نهضوا به من الظلام إلى النور، ومن الباطل إلى الحق، فعاشوا أزهى عصور السياسة المنساقة خلف تعاليم دين الله، حتى وإن كانوا قد جحدوا هذا الدين وكفروا به، فأنهم لا يكذبون أنبياء هذا الدين ولا ما جاءوا به، بل إنهم بآيات الله يجحدون، أما نحن فقد آمنا وأيقنا بأن أنبياء الله حق ودينهم وشرعه حق، ولكننا فقدنا تطبيق آلياته وقوانينه، ونحيناه جانبا وذهبنا وراء حركات هلامية وهمية، ساقوها لنا لإلهائنا وتضليلنا، فعلمنا الدولة نظريا دون أن نعلمنها تطبيقا على الأرض، فصرنا بذلك للأمية عنوان، وللمتاهة صنوان، فلا طبقنا سياسة ديننا، ولا أنهلنا من شرعنا منهلا يكون لدين السياسة نبعا حينما تتعثر خطواتنا.
إن سياسة حكم البلاد بما أنزل رب العباد جديرة بأن تجعل خير أمة أخرجت للناس تقود وتتميز بعد أن انساقت واتبعت وكفيلة هذه السياسة بأن تحقق الخيرية وأن تحقق الوسطية، فهلا استنهضنا هممنا ورجعنا إلى سبيل ربنا، هل آن وقت التطبيق في هذه الفرصة السانحة.